غريب وعجيب أمر حكومة السودان، وبصورة أدق أمر حزب "المؤتمر الوطني" صاحب الأغلبية في أجهزة الحكم 52%، غريب أمره لأنه لا يخرج من أزمة أو ورطة حتى يدخل في واحدة أخرى، ومن العجيب أيضاً أنه لا يقيم أي اعتبار حتى لأهم حلفائه وهم "الحركة الشعبية" (الجنوب) التي لها 28% من مقاعد الحكم. رفضت الحكومة قرار مجلس الأمن رقم 1706 الخاص بإرسال قوات دولية إلى دارفور، ولم يمر إلا بعض يوم فألحق هذا القرار بقرار آخر هو مطالبة الاتحاد الأفريقي بإنهاء وجوده في دارفور في فترة لا تتعدى نهاية هذا الشهر، ورغم أن القرارين أُعلنا باسم "الحكومة" فإن الشريك الآخر "الحركة الشعبية" يقول إنه لا يوافق على القرارين. ويتزامن مع هذه القرارات استعداد وحشي عسكري للقوات السودانية وتوجيهها نحو دارفور، بل إنه لم يعد سراً أن النية هي أن تتولى القوات السودانية مسائل الأمن في دارفور وتشرف هي على تنفيذ الاتفاقية التي وُقعت بين الحكومة وفصيل من فصائل أهل دارفور حملة السلاح. وقد أعلن أكثر من مصدر مسؤول أن قوات الحكومة في دارفور بدأت تعقب فصائل المتمردين الأخرى التي لم توافق على اتفاق "أبوجا" واعتبرته ناقصاً لا يحل مشاكل الإقليم. إن إصرار الحكومة على أن تتولى هي قضية الأمن في دارفور يشكل خرقاً لما كان يعتبر من البديهيات وهو أن الحكومة طرف في النزاع لا يصح أن تكون هي الحكم ولهذا كان الاعتماد على القوات الأفريقية التي أصبح بقاؤها حسب قرار الحكومة الأخير في المجهول. قيادة الاتحاد الأفريقي لم تعلق بعد على قرار الخرطوم الأخير، ولكنها أعلنت في أديس أبابا أن أعضاء مجلس الأمن الأفريقي سيجتمعون في نيويورك خلال الأسبوع الثالث من هذا الشهر لدراسة الوضع في تنسيق مع سكرتارية مجلس الأمن صاحبة القرار 1706 الداعي لتدخل قوات دولية لتحل محل القوات الأفريقية. إن إعادة مسؤولية الأمن في دارفور إلى يد القوات الحكومية السودانية سيعود بالوضع في هذا الإقليم المنكوب إلى ما كان عليه عام 2003، عندما بدأت حركات التمرد هناك نشاطها، وكان الرأي يومذاك أن الأزمة يمكن علاجها سلمياً بالتفاوض والحوار، وكان صاحب هذا الرأي هو الرجل الذي كلفه رئيس الجمهورية بأن يكون ممثله والوالي على كل أقاليم دارفور الثلاثة، إنه (الفريق: ابراهيم سليمان) ابن المنطقة وضابط القوات المسلحة المرموق، ولكن قيادة الحكومة في الخرطوم لم تأخذ برأي (الفريق سليمان) وقررت أن تكون المواجهة عسكرية فحشدت لذلك القوات وأرسلت سلاح الطيران يدك القرى ويلحق الأذى بمن يستحق وبمن لا يستحق، وكان أن تدهور الوضع في دارفور بالصورة التي نعلمها مما اقتضى تكاثر الصيحات العالمية إلى أن كان الحل الاستعانة بالقوات الأفريقية مما ساعد، ولو بشكل محدود، في تهدئة الوضع والتمهيد للاتفاقية التي عقدت في العاصمة النيجيرية وحملت اسمها "اتفاقية أبوجا" التي قبل بها بعض المتمردين ورفضها آخرون. الوضع الحالي يعني أن الخرطوم ممثلة في الحزب الواحد المسيطر على الحكم قررت أن تكون في مواجهة مع المجتمع الدولي برفض قرار مجلس الأمن وأتبعت ذلك بقرار آخر يضعها في خلاف مع الاتحاد الأفريقي، ومن العسير التكهن بما سيؤول إليه الأمر بعد هذا التصعيد. محجوب عثمان