سألني صديق ما قصدته في مقالة سابقة بتسمية "حزب الله الليبراني"، فقلت له بأني اخترعتها وسككتها كما العملة من كلمتي لبناني وإيراني، فـ"حزب الله" لبناني المنشأ ولكنه إيراني الإنشاء، وهو لبناني الكوادر -في معظمها- لكنه إيراني التدريب والإعداد، وهو لبناني التصنيف، ولكنه إيراني التمويل- طبعاً تمويلاً طاهراً، وهو لبناني اللعبة السياسية، لكنه يرى النظام السياسي الإيراني وولاية الفقيه نموذجاً وهدفاً وطموحاً للحكم، ومن ثم فلا يمكن القول عنه إنه لبناني مئة في المئة ولا هو إيراني خالص، وهو بين بين أي أنه حزب "لبراني". في صالون الحلاقة، أسلم صاحبي رقبته لموس الحلاق وراح يثرثر في السياسة مع صاحب الصالون، لا بل إنه راح يختلف مع الحلاق الباكستاني حول مشكلة كشمير، ويرى أن الهند على حق، وأن باكستان مخطئة، وذلك هو قمة الغباء والحمق، فليس من الكياسة الاختلاف في السياسة مع من يضع سكيناً على رقبتك، ولو استدعى الأمر التطرق إلى القضايا السياسية فالأفضل أن تجاري وتوافق واضع الموس على رقبتك. وما ينطبق على الحلاق ينطبق على القصاب أو الجزار، فالرجل يحمل في يده ساطوراً وسكيناً، ولم نشاهد زبوناً يذهب إلى القصاب بساطوره، ومن غير الحكمة أن تدخل في شجار مع صاحب الساطور وأنت أعزل. ما ينطبق على الحلاق والجزار ينطبق على "حزب الله" وكل الأحزاب التي ترفع الشعارات الربانية وتلوذ بالخالق سبحانه وتعالى تبريراً لممارستها السياسية البشرية، فتسمية "حزب الله" تفترض أن هناك حزباً أو أكثر ليسوا أحزاباً لله، وبالتالي فهي إما أن تكون أحزابا للبشر -على عكس "حزب الله"-، أو أسوأ من ذلك حين تفترض أن الآخر أحزاباً شيطانية، التسمية تفترض أن "حزب الله" غالب دوماً ومنتصر دوماً ومن يقل عكس ذلك ننحره بسكاكين وأمواس عديدة: التكفير، الطائفية، العمالة، الصهينة الأمركة أو التصهين والتأمرك.. الخ. وللأمانة فإن "حزب الله" لم يبتدع احتكار الدين والانحياز المنفرد للرب سبحانه وتعالى، فقد سبقه آخرون كانوا يدعون أن من يختلف معهم إنما يختلف مع الله وتعاليم دينه، وبالتالي فإن مواقفهم السياسية تلوذ دوماً بالدين لكسب التعاطف من جهة، ولتجنيبها النقد والمراجعة من جهة أخرى. لو كنتُ لبنانياً لما قبلت ممارسة السياسة في خانة واحدة مع من يدعي أنه "حزب الله"، فتعاطي السياسة الحزبية ممارسة بشرية - تخطئ وتصيب وتتراجع وتهزم في الانتخابات بل وحتى في المعارك، ولكن أن تدعي أنك حزب إلهي فتلك معضلة تتنافى مع الممارسة البشرية حتماً عاجلاً أم آجلاً. يعاني العقل العربي منذ قرون من العقلية التي يترجمها "حزب الله" وهي امتلاك واحتكار الحقيقة، فقد ألغي الآخر لعقود بحجة القومية العربية والوحدة وشعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، ومن كان يختلف مع الثورجية والقومجية كان يوصف بأقذع الأوصاف، وكان مصيره التعذيب في غياهب السجون ثم القبور والويل والثبور وعظائم الأمور. وقام نظام الملالي في إيران بتصفية كل من اختلف مع نظرية ولاية الفقيه، بدءاً بالقوميين فالشيوعيين فالليبراليين حتى بدأت الثورة تأكل أبناءها وأزاحت منتظري من طريق الخمينية التقليدية. "حزب الله" أشعل حرباً إيرانية- أميركية على حساب لبنان، ومن يقل غير ذلك فهو مخطئ، ولكن "حزب الله" يحتفل انتصاراً بالهزيمة المريرة، ومن يقل غير ذلك فهو خائن، وسوف تلاحقه سكاكين وسواطير العمالة والتخوين. د. سعد بن طفلة العجمي