بلغ عدد مواطني إسرائيل حسب الإحصاءات الرسمية الإسرائيلية في نهاية عام 2005 نحو ستة ملايين و 988 ألفاً، بينهم خمسة ملايين و 309 آلاف يهودي أي نحو 76% من السكان. أما عدد المواطنين الفلسطينيين (وعرب الهضبة السورية/ الجولان المحتلة) فبلغ مليوناً و 376 ألفا بمن فيهم سكان القدس الشرقية أي (19.7%) من السكان. ويوجد في إسرائيل نحو 300 ألف لم يصرحوا عن ديانتهم وهم على الأغلب من مهاجري روسيا وأوروبا الشرقية ممن لم تثبت يهوديتهم. وإذا أضيف إلى ذلك عدد السكان الفلسطينيين العرب في الأراضي المحتلة 1967 (الضفة الغربية + قطاع غزة) سيصبح عدد السكان الفلسطينيين عندها نحو أربعة ملايين و900 ألف نسمة أي حوالى 48.1% من السكان (وفقاً للتقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2005 ص 167). وهذا الواقع من أشد ما يقلق إسرائيل حالياً، وهو السبب الرئيسي لمعظم القرارات التي اتخذت سابقاً (مثل الانسحاب من قطاع غزة) والقرارات التي قد تؤخذ لاحقاً مثل "خطة الانطواء" والانفصال الأحادي الجانب عن الضفة الغربية. فلقد شكل الهاجس الديموغرافي لإسرائيل، ولا يزال، أحد أكبر الهموم للساسة اليهود (من اليمين واليسار على حد سواء) إلى درجة أنهم أسموه "القنبلة الديموغرافية" أي أنها الفتيلة التي قد تؤدي إلى الانفجار في أية لحظة والتي يخشون أن تقلب مخططاتهم ومخططات المؤسسين الأوائل رأساً على عقب. ومما يقوله الخبراء في مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي أن نسبة النمو عند السكان اليهود بلغت نحو 2.2% في السنة مقابل 3.4% لدى السكان الفلسطينيين العرب والتي هي من أعلى النسب في العالم. تؤكد الدراسة الحديثة التي أعدها "معهد التخطيط السياسي للشعب اليهودي" (الذي يرأسه الوسيط السابق للمفاوضات الأميركي دينيس روس) أنه في عام 2020 سيزيد عدد الفلسطينيين في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية وإسرائيل (أي داخل "الخط الأخضر") عن عدد اليهود. ولقد أثار تقرير "المعهد" الكثير من الاهتمام في الأوساط السياسية الإسرائيلية. وحسب الدراسة نفسها، يتجه عدد اليهود في العالم بالمقابل نحو الانخفاض. ولمعالجة هذه المشكلة، دعا المعهد المذكور إلى عقد جلسة طارئة لمعالجة ما أسماه "الخطر الديموغرافي". وفي الدراسة المذكورة ذاتها، يقول "بالاي ماريدور" رئيس الوكالة اليهودية بأن "الخطر الديموغرافي الفلسطيني، سواء داخل إسرائيل أو المناطق المحتلة، سيكون له تأثير كبير على قراراتنا حول حدود إسرائيل المستقبلية". وفي سياق إضافي، كشف التقرير عن زيف الديمقراطية الإسرائيلية التي طالما تغنى بها الإسرائيليون. فكيف يسبب انخفاض عدد السكان اليهود في العالم قلقاً متزايداً للساسة اليهود بينما تعتبر زيادة عدد الفلسطينيين (حتى أولئك الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية) "تهديداً" يجب مواجهته بشتى الوسائل؟! وهل هناك –من واقع وثائق أخرى عديدة- من يشك الآن بأن هدف إسرائيل الحقيقي هو المحافظة على "النقاء" العنصري والديني لإسرائيل؟ ألا تشكل هذه السياسة انحرافاً واضحاً عن السياسة "الديمقراطية" التي تزعم إسرائيل أنها الوحيدة التي تتبعها في منطقة الشرق الأوسط؟ ومن جهته، يقدم أحد الخبراء الديموغرافيين "يوسف كرباج" تقديرات أكثر تفاؤلاً بالنسبة لإسرائيل إذ كتب يقول: "عند مرور مئة سنة على تأسيس دولة إسرائيل أي في عام 2048، سيكون عدد الفلسطينيين فيها هو نصف عدد السكان، أي شخص فلسطيني واحد مقابل كل يهودي، وأنه في عام 2025 يمكن أن يكون للفلسطينيين 23 نائباً في (البرلمان الإسرائيلي) "الكنيست" من أصل 120 نائباً وهذا بالطبع عدا الفلسطينيين في باقي فلسطين والشتات" (التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2005). كيف ستواجه إسرائيل هذه المشكلة التي تقض مضاجعها إذ من الثابت تاريخياً أن العنصرية الصهيونية لا تقبل ببقاء الفلسطينيين (أصحاب الأرض الأصليين) على أرضهم وفي ممتلكاتهم التي احتلتها إسرائيل؟ لقد تمكنت إسرائيل في عام 1948 من طرد أكثر من ثلاثة أرباع المليون فلسطيني من أراضيهم باقتراف المذابح ضدهم وإرهابهم. والأنكى من ذلك، ربما، ادعاء الدولة العبرية لاحقاً أن الزعماء العرب هم الذين طلبوا من الفلسطينيين الخروج من وطنهم حيث تبين كذب وبهتان هذا الادعاء حتى لليهود أنفسهم إذ فضح بعض المؤرخين الجدد (من الإسرائيليين اليهود ذوي الضمائر الحية) هذا التزييف الذي لا أساس له. وتعتبر سياسة "الترانسفير"، أي الترحيل القسري أو شبه القسري، عموداً رئيسياً من أعمدة الفكر الصهيوني. وإن كان الحديث عن "الترانسفير" قد بدأ همساً في عام 1937، وطبقته إسرائيل في عام 1948 بشكل سافر، فإنه لا يزال مستمراً حتى الآن وإن بوسائل مختلفة، حيث إن عالم القرن الحادي والعشرين لا يتقبل بسهولة مثل هذه السياسات، بل قل الممارسات المشينة! على صعيد متمم، تعتبر "اجتماعات هرتسليا" التي تعقد سنوياً في الدولة العبرية مهمة للغاية لتحديد سياسات إسرائيل المستقبلية حيث تشترك فيها مجموعة من السياسيين والمفكرين والأكاديميين والجنرالات ورجال الأعمال. وفي "اجتماع هرتسليا" الأخير هذا العام، اتخذ المؤتمرون عدة قرارات مهمة من أهمها: العمل على "استقدام أكبر عدد ممكن من يهود العالم إلى إسرائيل، وإلغاء أو تحجيم حقوق المواطنة للفلسطينيين في إسرائيل، وتشجيع السلطة الفلسطينية على قبول تبادل الأراضي بما في ذلك ضم المناطق العربية في إسرائيل إلى الضفة، وضم أهم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة إلى إسرائيل". ويعتقد الإسرائيليون أن الخنق التدريجي والمنهجي للسكان الفلسطينيين في الضفة، والتضييق عليهم اقتصادياً بواسطة الحواجز والإغلاقات المستمرة، وتقطيع سبل التنقل، والاغتيالات المستمرة، ونسف البيوت، وحرق الأراضي، ومصادرة الأراضي الغنية بالماء، وغير ذلك من ممارسات فاشية سيجبر الفلسطينيين على الهجرة وترك بلادهم. ومن منظورهم، فإن ما حصل في قطاع غزة لهو أفضل مثال (على التفكير لهذه الدولة) التي لا تحترم أي قانون: فقد "تخلصوا" من مليون ومائتي ألف فلسطيني مع إبقاء القطاع –من الناحية الفعلية- محتلاً جواً وبحراً وبراً في ظل تنفيذهم لخطة جوهرها استمرار القتل والحملات العسكرية المحدودة من حين إلى آخر. ولنتذكر استخلاص وتحذير المحلل الديموغرافي الإسرائيلي "أرنون صوفر"- صاحب فكرة جدار الفصل العنصري: "إن التدمير القادم للدولة اليهودية قادم لا محالة ما لم تتخذ الإجراءات الحاسمة ضد خطر زيادة السكان الفلسطينيين".