المقاييس التي تحكم سبل الترقي من خلال مجالس الخدمة المدنية وإدارات ولجان الموارد البشرية في القطاع الحكومي الاتحادي والمحلي يشوبها الكثير من الغموض والتشوهات. فقد يفاجأ المرء بترقية من لم يخطر على بال أحد من الموظفين وترك المستحق في دائرة النسيان، ولقد رأينا أصحاب التقارير الممتازة خلال سنوات العمل المضني وقد لفتهم سنون القحط وسبقهم آخرون إلى الدرجات العلى دون أن يسمع أحد عن أدائهم الذي لم يتعد سنوات قليلة مع القفزة العالية التي قد لا تحدث إلا في العمر مرة مقابل الموظفين الذين يحكم عليهم بحتمية التدرج الوظيفي وفقاً للأنظمة واللوائح المعتمدة لخدمة الجميع من أجل إرساء دعائم المساواة في صفوف العاملين، ولا نعرف حقاً المقياس الثابت في الحالات التي تتطاير الترقيات من فوق رؤوس المستحقين بجدارة إلى صاحب اليد الطولى. فإذا كانت الشهادات العليا والأقدمية وسنوات الخبرة وتقارير الامتياز المتوالية ليست من المقاييس المعتبرة لدى بعض الوزارات والهيئات والدوائر المعنية فمن يملك إعطاء هذا الحق المكتسب لهؤلاء بعد تجاهل كل المؤهلات الوظيفية التي أوصلت موظفاً ما إلى درجة قيادية مع بروز كافة علامات الاستفهام الاستنكارية على حواجب العالمين ببواطن أمور الترقيات المسلوقة. وبالرجوع إلى مختصر السيرة الذاتية لبعض من تمت ترقيتهم خلال الفترة القصيرة الماضية نخرج بنتيجة واضحة وبعيدة عن ضوابط ومحاضر اللجان المختصة بترفيع موظف في دائرة ما، وإسكات آخر برسالة شكر، وربط فم آخر بنهاية مربوط الدرجات المفروضة عليه دون بعض الزملاء الذين لا ينطبق عليهم إلا قانون ما فوق الخدمة المدنية. لا زال السؤال يطرح نفسه عن المقياس الذي يمكن أن يحكم في ترقية أكثر من موظف إلى مناصب قيادية متساوية مع وجود فارق زمني بينهم يتراوح أحياناً ما بين عقدين وصفر من العام. إن هذا الجو يخلق ظروفاً من التنافس غير المتكافئ في الأداء الوظيفي الذي يخالطه البرود وليس الحماس المنتظر وهو يبعث بإشارات سلبية إلى بقية الموظفين مفادها أن السنوات الطويلة من العطاء المتواصل قد لا تعني شيئاً بالنسبة لقواعد اللعبة في محيط العمل. إن الدولة أصبحت بأمسِّ الحاجة إلى أنظمة حديثة ومبتكرة للتعامل مع الموارد البشرية الوطنية على وجه الخصوص وذلك لقلتها وندرتها النوعية، فبما أن نظام الترقيات في الخدمة المدنية مختلف عن الأنظمة العسكرية، فإن الأدوات التي تقاس بها جهود الموظفين يجب أن تكون مرنة حتى لا نفقد حماس من نال الترقية بعد سنوات مريرة من الانتظار، وعندما تحين ساعة الفرج يجد نفسه قد تم معادلته بمن لم يكمل في ذات المؤسسة يوماً واحداً. ومن المهم أن نفرق بين إدارة الموارد البشرية وبين تطبيق الأنظمة والقوانين عليها، أو بمعنى آخر كيفية إدارة الأنظمة لهذه الموارد، فالمقاييس هنا يجب أن تكون واضحة للجميع حتى تتيح لهم سبل التنافس اللائق وهي التي تدخل الطمأنينة في قلوب الموظفين الذين يكافحون ويخلصون ويوالون الأماكن التي يعملون بها، دون أن يخالجهم شعور بالنقص، فهم بهذا يستحقون مقياساً أو ميزاناً يعيد إليهم ما افتقدوه في السنوات السالفة بدل مساواتهم بمن لم يضيفوا لبنة إلى تلك القواعد الشامخة أمام المسؤولين وغيرهم من الشهود المحايدين. مع أن صوت القيادة الرشيدة ينادي أن هلموا واجعلوا من الأداء المتميز بعيداً عن الدرجات الوظيفية وحلقاتها والسلم الإداري وغيرها من القيود التي لا يجب أن تكون سداً أمام عطاء الموظفين لنيل الترقيات دون وقوع المستحق لها في نفق النسيان.