تتأهب إدارة بوش لتنفيذ مجموعة من العقوبات الشاملة ضد نظام كوريا الشمالية رداً على التجارب الأخيرة التي أجرتها بيونج يانج على إطلاق صواريخ باليستية. وهذا لو حدث، فإنه سيمثل خطأً فادحاً من المرجح أن يرفع الموقف في شبه الجزيرة الكورية إلى مستويات جديدة من التوتر. ليس هذا فحسب بل إن فرض تلك العقوبات في الوقت الراهن قد يؤدي إلى قيام كوريا الشمالية بالأعمال ذاتها التي تسعى الولايات المتحدة إلى الحيلولة دون قيام بيونج يانج بها. لذلك فإن الولايات يجب أن تعيد النظر في هذه العقوبات لتجنب حدوث أضرار طويلة الأمد. وقد قامت الولايات المتحدة بإحاطة حلفائها في شمال شرق آسيا بما فيهم كوريا الجنوبية واليابان والصين وروسيا علماً بالإجراءات الوشيكة التي تنوي القيام بها. ومن المعروف أن تلك الدول قد شاركت الولايات المتحدة في المباحثات الإقليمية التي توقفت مع كوريا الشمالية، والتي كانت تهدف إلى إنهاء برنامجها الخاص بالأسلحة النووية. وفي رأينا أن الطريق الوحيد للنجاح في التعامل مع كوريا الشمالية هو طريق المفاوضات. وما هو مطلوب في هذا السياق هو اهتمام متواصل بالشأن الكوري لإقناع النظام هناك في النهاية بالعودة إلى طريق المحادثات الإقليمية والتوقف عن سياساته القائمة على الصدام. ومما لاشك فيه أن التجارب الصاروخية التي أجراها نظام بيونج يانج في الرابع من يوليو الماضي مثلت خطأً استفزازياً أدى إلى إدانة هذا النظام بالإجماع من جانب مجلس الأمن الدولي، كما أدى إلى خفض كبير في كميات المساعدات التي تقدمها كوريا الجنوبية لبلاده. ليس هذا فحسب، فهذه التجارب أدت أيضاً إلى إثارة غضب الصين خصوصاً بعد أن رفض الزعيم الكوري الشمالي "كيم يونج إيل" استقبال مبعوث صيني رفيع المستوى كان من المقرر أن يعبر للأخير عن عدم رضا بلاده على هذه التجارب، وهو ما دفع الصين إلى الإقدام على خطوات غير متوقعة حيث شاركت في إدانة نظام بيونج يانج الذي كانت ترتبط معه بعلاقات وثيقة للغاية، كما قامت بإبطاء معدل -وإن لم تكن قد أوقفت- تدفق مساعداتها من الطعام والوقود التي كانت تقدمها لنظام بيونج يانج. بيد أن ذلك لا يعني أن بكين ستوافق على العقوبات الأميركية بل إن الأمر المرجح هو أن ترفض تنفيذها في الوقت الراهن، كما أنه ليس من المحتمل على الإطلاق أن تحذو حذوها. وفي الحقيقة أن العقوبات الأميركية الأخيرة ضد نظام بيونج يانج والرامية إلى إجبار هذا النظام على التخلي عن أنشطته في مجال غسيل الأموال وتزوير العملة الأميركية قد أدت إلى إيلامه خصوصاً إذا ما عرفنا أن قيادته قد تعودت على الصرف المفتوح غير المقيد بقواعد. مع ذلك، ليس متوقعاً أن تؤدي هذه العقوبات، ولا العقوبات الأخرى الوشيكة إلى انهيار هذا النظام القابض على زمام الحكم في بلاده منذ ستين عاماً أو حتى إلى دفعه لإجراء تحول إيجابي والبعد عن الأعمال ذات الصبغة العسكرية. المتوقع بدلاً من ذلك هو أن تؤدي هذه العقوبات إلى قيام نظام بيونج يانج بخطوات تصعيدية جديدة كي يثبت للعالم أنه ليس من النوع الذي يمكن إخافته. من هذه الخطوات مثلاً القيام بإجراء المزيد من التجارب على الصواريخ الباليستية، أو إجراء انفجار نووي تحت الأرض لإثبات صحة مزاعمه –في موعد سابق من هذا العام والذي قال فيها إنه قد أصبح دولة نووية كاملة الأهلية. ففي شهر يونيو من العام الماضي أخبر "كيم يونج إيل" مبعوثاً كورياً جنوبياً بأن بلاده تمتلك أسلحة نووية ولكنها ليست في حاجة لإجراء اختبارات عليها. التقديرات الأميركية شبه الرسمية تشير إلى أن بيونج يانج لديها مواد نووية تكفي لتصنيع ما بين 6 إلى 12 سلاحاً نووياً على الرغم من أن قدرتها على تجميع قنبلة تبقى غير معروفة. وإذا ما تم دفع نظام "كيم يونج إيل" إلى إجراء تجارب على هذه الأداة النووية فإن نجاح تجربته في ذلك ستنتج عنه أصداء واسعة النطاق على الحملة العالمية المضادة لانتشار الأسلحة النووية، كما ستكون له تأثيرات سياسية وعسكرية كبيرة أيضاً على منطقة شمال شرقي آسيا بأسرها. طالما أن الأمر على هذا القدر من الخطورة والتعقيد، فما هي الأسباب التي تدعو أميركا إلى اللجوء لخيار العقوبات على الرغم من فشل هذا النظام الذريع في تحقيق المرجو منه في أي مرة تم استخدامه فيها؟ هذه الأسباب يمكن أن تشمل: الأول، أن هذا الخيار يتيح لبعض كبار مسؤولي إدارة بوش التنفيس عن غضبهم المكبوت تجاه نظام بيونج يانج. والثاني، أن مثل هذا الخيار يمكن أن يكون أداة دفاع في يد الإدارة لمواجهة التهمة التي توجه إليها دائماً، من أنها لم تفعل سوى القليل -أو لم تفعل شيئاً- لإيقاف برنامج كوريا النووي. ويذهب بعض كبار مسؤولي إدارة بوش إلى القول إن الأفعال الخطرة من جانب النظام الكوري الشمالي أمر متوقع بصرف النظر عما إذا قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات جديدة ضده أم لا. قد يكون الأمر كذلك، ولكن احتمال قيام هذا النظام بهذه الأعمال الخطرة يصبح أكبر إذا ما قامت الولايات المتحدة بدلاً من اتباع نهج المفاوضات القائم على حزمة الجزر والعصا بسحب جميع الجزر مع مضاعفة عدد العصي. ففي مثل هذه الحالة ستجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة إلى تحمل اللوم مع كوريا الشمالية في حالة نشوب أزمة عالمية جديدة. دونالد جريج ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ سفير الولايات المتحدة السابق لدى كوريا الجنوبية دون أوبيردورفر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ رئيس معهد العلاقات الأميركية- الكورية بمدرسة الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة "جونز هوبكنز" ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"