يبلغ عمر دولة إيران حوالى 2500 سنة، وهي دولة قديمة بالمقاييس التاريخية، وهي دولة شابة جداً، إذ أن الشباب تحت سن الثلاثين يشكلون ثلثي عدد السكان. كيف وصلت إيران لهذا الرقم الشبابي المتفائل؟ كان ذلك في أوائل الثمانينيات، عندما شجع ملالي إيران على زيادة النسل بمنح قطعة أرض مجانية لكل أسرة تنجب أكثر من خمسة أطفال، وذلك تعويضاً للجنود الذين فقدتهم إيران في حربها مع العراق. وأزعم أن سبب هذا الذكاء الإيراني وهذا التطور النووي، هو اهتمام الحكومة هناك بعنصر الشباب، واستقطابهم لفهم معطيات الظروف التي تمر بها دولتهم، وبالتالي هناك تركيز عالي المستوى على إنجاب شباب لهم وعيهم الثقافي والسياسي والتقني، والذي تستثمره إيران لصالح خططها التنموية المتعددة الاتجاهات. وعلى الرغم من التعقيد المتشابك في النظام السياسي الإيراني، وتداخل الفكر السياسي والعقدي، فإن ظاهرة الانفتاح الفكري بدأت تلوح في الأفق بعد دخول هؤلاء الصغار لجامعات جديدة عمت إيران. وتقول الإحصاءات إن هناك حوالى مليوني طالب إيراني ينتسبون لهذه الجامعات. فالشباب في أي مكان ركيزة أساسية لعنصر البناء، والرافد الأهم في قضايا التنمية والقفز نحو المستقبل بخطوات واثقة وقوية. وقد أشار صحفي أميركي زار إيران في أوائل العام المنصرم، أن الشباب الإيراني لديه سعة أفق جديرة بالاحترام، ورغم تعدد التيارات الفكرية المحيطة به فإنه يحلم بهدف وحيد هو الإصلاح. ويعتقد الكاتب أن سبب فوز أحمدي نجاد كان بسبب خطته المناهضة لكل ما يجافي الإصلاح ولا يعجل به. فالدولة تحاول حماية شبابها من سيل الانحرافات وتجاوزات الإنترنت الأخلاقية، وتحاول جذبهم إلى المدارس الإسلامية، التي تدور في رحابها رياح الفكر والتصوف والتفسير الديني-السياسي للمتغيرات الجارية حولهم. انتبهت إيران باكراً، إلى رهان جريء وقوي وموثوق بقدراته حين أعطت شبابها كل الاهتمام وراهنت مستقبلها بالعناية بهذه الفئة وأولتهم عناية من نوع علمي خاص خلقت منها مشروع مارد نووي مخيف. فالاهتمام الحقيقي بهذه الفئة، يعني اهتماماً بمستقبل يعد بالكثير، وإعطاؤهم فرصتهم من تعليم جاد، وحمايتهم من تيارات القبح والفساد واجب نهضوي أساسي إن كانت هناك إرادة ترغب في دولة لها موقعها الريادي والمبني على دعامات لا يلغيها مطر أو رياح أو فيضان مفاجئ لم يحسب له. إيران دولة جادة منذ آلاف السنين ونكاد نعاملها وكأنها بعيدة بأميال ضوئية، رغم أن تجربتها في تعاملها مع شبابها جديرة بالمحاكاة وحَرية بالدراسة. والأهم بالنسبة لنا في تعاملنا مع أجيالنا الجديدة، هو البحث عن إيمان راسخ بهم وبقيمة الوطن، لتتاح لنا فرصة الدخول في عالم الأقوياء.