على الرغم من طغيان الطابع الحزبي الثنائي على معظم الحوارات الدائرة الآن في واشنطن دي سي، وهيمنة الانحياز الحزبي عليها، فإن هناك أمراً واحداً حاز على دعم وتأييد كلا الحزبين، ألا وهو حماية ثرواتنا المائية والبحرية. فقد أجاز مجلس "الشيوخ" مؤخراً بالإجماع "قانون ماجنوسون- ستيفنسون لإدارة حماية مصايد الأسماك". وقد جاءت هذه المبادرة التشريعية المهمة في موعدها تماماً، ذلك أن الممارسات المدمرة من قبل كبرى الشركات التجارية الصناعية الناشطة في مجال صيد الأسماك وتعليبها، قد ألحقت ضرراً بالغاً بالأسماك إلى جانب تدميرها للعديد من المواطن والبيئات الطبيعية لشتى الكائنات البحرية. وبسبب اعتمادها على تكنولوجيا الصيد المتقدمة وأساطيل السفن الكبيرة العملاقة، فقد أصبحت هذه الشركات على درجة من الشراسة والشراهة في ممارستها للصيد، إلى حد أدى لاختفاء أنواع معينة من الأسماك خلال سنوات معدودة. وفي ذلك فقد توصلت دراسة تم نشرها في مجلة "ذي نيتشر"، الصادرة في شهر مايو من العام الجاري، إلى حدوث انخفاض مريع بلغت نسبته 90 في المئة، في أنواع بعينها من الأسماك المفترسة مثل "التونا" و"المارلين" وأسماك القرش، منذ بدء صناعة وتجارة الأسماك قبل ما يزيد على الخمسين عاماً من الآن. كما توصلت الدراسة نفسها إلى أن خفض هذه الصناعة لأعداد كبيرة من الأسماك بنسبة 80 في المئة، لن يتطلب سوى عشرة إلى خمسة عشر عاماً فحسب. وتختلف صناعة الأسماك التجارية الحديثة اختلافاً شاسعاً من فرق وجماعات الصيد التقليدية السابقة، التي كانت تعتمد في نشاطها على الشباك الصغيرة. واليوم يبلغ طول شبكة الصيد الواحدة التي تستخدمها الشركات الحديثة ميلاً كاملاً أو أكثر في بعض الأحيان. ولذلك فهي تجرف أمامها كل ما يصادفها وتبتلعه، بما في ذلك أسماك الدلفين وغيرها من الأسماك التي كان الناس عادة ما يستغنون عنها ويقذفون بها بعيداً إلى اليابسة أو البحر. ليس ذلك فحسب، بل أصبح في وسع تكنولوجيا الصيد الحديثة القادرة على الغوص حتى قطاع المحيطات والبحار، جرف كل شيء والإمساك به، من الشعب المرجانية وحتى الكائنات النباتية البحرية. ومن المشكلات التي تسببها صناعة وتكنولوجيا الأسماك الحديثة، أنها تخرج المهن والاستثمارات الصغيرة المرتبطة بصيد الأسماك وصناعتها إلى خارج دائرة السوق والمنافسة. بل إن المشكلة في ظل القوانين السارية حالياً أن فرض القيود التشريعية القانونية على الصيد الجائر للأسماك، هي من شأن المجالس المحلية الخاصة بتنظيم نشاط مصايد الأسماك. وعادة ما تتألف هذه المجالس من مناديب وممثلين للشركات التجارية الصناعية العاملة في المجال نفسه، ولذلك فإن من الطبيعي أن تستند قراراتهم وإجراءاتهم إلى تضارب المصالح التجارية الاستثمارية فيما بينهم، وليس على الخبرة المهنية المتخصصة القائمة على العلم والمعرفة. ومنذ عام 1985 ظل حوالى 80 إلى 90 في المئة من الأعضاء المعينين في هذه المجالس المحلية ممن يمثلون تلك المصالح التجارية الاستثمارية. ولهذا فإن حل هذه المعضلة لفي غاية السهولة والبساطة، لكونه يتطلب إجراء إصلاح جوهري هيكلي في تشكيل هذه المجالس المحلية، حتى يتقدم في قراراتها العلم والخبرة المهنية المتخصصة، على المصالح التجارية المشار إليها. كما يتطلب الإصلاح كذلك تضمين إجراءات عقابية توقع على كافة الشركات الحديثة التي تمارس أنشطة الصيد الجائر للأسماك. والحقيقة أن التشريع الأخير الصادر عن مجلس "الشيوخ" يتضمن عدداً من الإصلاحات على القوانين السارية حالياً، من بين ذلك فقد نصّ التشريع على حد واضح من عدد الأسماك الذي تخول المجالس المحلية بالسماح للشركات والصيادين استغلاله سنوياً، والعقوبات المترتبة على تجاوز هذا الحد السنوي. بل أجرى التشريع تعديلاً جوهرياً على تشكيل مجالس إدارة الصيد المحلية، بحيث تغدو أكثر توازناً بين الصيادين وممثلي المصالح التجارية من جهة والخبراء وناشطي المحافظة على البيئة من الجهة الأخرى. كما تضمن التشريع نفسه ضرورة خضوع الأعضاء الجدد في تلك المجالس لدورات تدريب فني، تهدف للارتقاء بمستوى مهنيتهم وخبرتهم في هذا المجال. غير أن المؤسف أن الأخبار الواردة من مجلس النواب لا تحمل الكثير من التفاؤل والبشرى، بدنوّ سريان التشريع الجديد. والحقيقة أن مشروع القانون المقدم من النائب "الجمهوري" رتشارد دبليو بومبو، يحمل من الضرر أكثر مما يفيد تحسين وتعزيز ثرواتنا البحرية المائية. وما لم يجر تعزيز هذه المسوّدة، بحيث تصبح أكثر قرباً وتطابقاً مع النسخة التشريعية الصادرة عن مجلس "الشيوخ"، فستواصل "الثعالب" حراستها لبيت "الدجاج" البحري، ما يؤدي إلى المزيد من الانحسار لثرواتنا البحرية. وبين الولايات الأميركية جميعاً لم تحافظ الأسماك على أعدادها وصحتها إلى حد كبير، إلا في ولاية ألاسكا، مسقط رأس السناتور تيد ستيفن. والسبب هو نجاة الثروة السمكية من ممارسات الصيد الجائر المشار إليها. وفي الواقع فإن المجلس المحلي لإدارة مصايد الأسماك في ولاية ألاسكا، يكاد يكون هو الوحيد بين المجالس الإقليمية المماثلة المنتشرة على امتداد البلاد، الذي يأخذ بالاستشارة العلمية لخبرائه واختصاصييه، فيما يتصل بعدد الأسماك الجائز صيدها سنوياً، ويحرص على فرض هذا الحد القانوني على الصيادين. وبما أن هذه هي الحقيقة الناصعة المجردة التي تقدمها لنا تجربة ولاية ألاسكا، فقد حان الوقت لأن يتخذ الكونجرس خطوة جريئة نحو إصدار تشريع قانوني يجعل من هذه التجربة مثالاً وقدوة تحتذى في كافة صناعات صيد وتجارة الأسماك في بقية الولايات. وما لم يفعل الكونجرس هذا ويعمل على التقاط زمام المبادرة والقيادة في حماية ثرواتنا السمكية والبحرية، فإن على هذه الثروات السلام. جنيفر بيفان دانجيل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قانونية وممثلة ادعاء عن هيئة البيئة في ولاية ميريلاند الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"