على الرغم من أن سنغافورة من الدول المحافظة اجتماعياً إلى درجة أنها تفرض حظراً على شراء معظم أنواع العلكة!.. إلا أنها تبرز الآن باعتبارها مركزاً لأبحاث الخلايا الجذعية بفضل القوانين الليبرالية التي تنتهجها في هذا الحقل وبفضل التمويل الذي تقدمه الحكومة له. وفي الآونة الأخيرة، تلقت هذه الدولة الطامحة إلى التحول إلى مركز عالمي لأبحاث الخلايا الجذعية عوناً من جهة لم تكن تتوقعها، وهي البيت الأبيض، الذي دفع دون قصد عدداً متزايداً من كبار العلماء الأميركيين في هذا المجال إلى حمل حقائبهم والتوجه إلى تلك المدينة. فعلى سبيل المثال يخطط اثنان من كبار باحثي السرطان في الولايات المتحدة وهما "نيل جيه كوبلاند" وزوجته "نانسي آيه. جينكنز" واللذين عملا على مدى 20 عاماً في المعهد القومي الأميركي للسرطان في ولاية مريلاند للسفر إلى سنغافورة الشهر القادم للتدريس في "المعهد البيولوجي لأبحاث الجزيئات والخلايا". وقال "نيل": "لقد خططنا للقدوم إلى بلد لديه شغف بالعلم ويتقدم إلى الأمام بشكل حثيث على عكس ما يحدث في الولايات المتحدة حيث أدت تخفيضات الميزانية والمناورات السياسية إلى قصور التمويل اللازم في مجال التقنية الحيوية بشكل خاص وفي مجال العلوم بشكل عام بصورة تهدد التفوق العملي الذي كانت أميركا تزهو به على باقي دول العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية". وقال العالمان إن ذلك قد أصاب العلماء في أميركا بالإحباط وجعلهم يتطلعون إلى العمل في دولة مثل سنغافورة التي بدأت تكتسب شهرة كواحة للحرية الطبية في المجالات البيولوجية. ويقول بعض الخبراء إن السبب الذي يدعو سنغافورة إلى ذلك على الرغم من أنها دولة محافظة سبب اقتصادي بحت وهو الركود الذي تشهده صناعة الاليكترونيات وهي الصناعة التي أطلقتها على طريق النهضة وجعلتها من ضمن أكثر دول العالم ثراءً. يشار إلى أن جهد سنغافورة لتدعيم أبحاث التقنية الحيوية ليس هو الجهد الوحيد الذي تقوم به في هذا المضمار بل إنها تقوم بجهد لإنعاش طائفة من الأنشطة والصناعات الأخرى ومنها صناعة البنوك الخاصة، وصناعة السياحة. علاوة على ذلك نجحت سنغافورة عن طريق استخدام نفس التشكيلة من الحوافز والتسهيلات الضريبية التي جعلت منها واحدة من الدول الجاذبة لكبريات المصانع المنتجة للإليكترونيات في العالم، في اجتذاب بعض من كبريات شركات تصنيع الأدوية العالمية مثل " فايزر" و"شيرنج بلاو" وهو ما وفر لها عوائد سنوية من هذا المجال وحده تربو على 11,4 مليار دولار أو ما يعادل 5 في المئة من اقتصاد سنغافورة. ولكن سنغافورة تطلب من هذه الشركات أن تفعل ما هو أكثر من تصنيع الدواء. فمن أجل تشجيعها على إجراء أبحاث الدواء الأساسية وعمليات تطويرها فإنها عرضت المساهمة بثلاثين في المئة من تكلفة المباني التي يمكن أن تتخذها هذه الشركات مقراً لها إذا ما قررت القدوم إلى البلاد. وكان العرض مغرياً إلى درجة دفعت حوالى 30 شركة عالمية للاستجابة ومنها شركة "نوفاريس" السويسرية. غير أن محور الجهود السنغافورية في مجال التقنية الحيوية هو المجمع المعروف باسم مجمع" بايوبوليس" Biopolis الذي يعد واحة لأبحاث التقنية الحيوية ويضم 7 مبانٍ وتم افتتاحه عام 2003 بتكلفة قدرها 500 مليون دولار سنغافوري.. وفي الوقت الراهن تقوم الحكومة ببناء بنك للخلايا الجذعية في "بايوبوليس" سيعمل وفقاً لبعض من أكثر القوانين في العالم ليبرالية في حقل الخلايا الجذعية واستخداماتها حيث سيتاح له إنتاج الخلايا الجذعية من الأجنة على اعتبار أن هذا النوع من الأجنة على وجه التحديد يتمتع بقدر أكبر من المرونة في الاستخدام كما أنه فترة صلاحيته أطول من الأنواع الأخرى. يذكر أن معارضة إدارة بوش لأبحاث الخلايا الجذعية تقوم على حجة هي أن إنتاج تلك الخلايا يستدعي قتل الأجنة ما يعني قتل حياة بشرية محتملة. أما سنغافورة فإنها تسمح بإنتاج الخلايا الجذعية من الأجنة الناتجة عن عمليات الإجهاض أو تلك التي يتم إلقاؤها. وهذه الأجنة يمكن استنساخها والمحافظة عليها لمدة 14 يوماً لاستخدامها في إنتاج الخلايا الجذعية. ويقول المسؤولون السنغافوريون إنهم أنفقوا قرابة 27 مليار دولار أميركي على التقنية الحيوية منذ عام 2000 وإنهم قد خصصوا ميزانية مقدارها 1,44 مليار دولار سنغافوري إضافية كي يتم إنفاقها على مدار السنوات الخمس التالية، لتمويل عملية تطوير علاجات وعقاقير جديدة. يذكر أن محاولات سنغافورة لاستقطاب العلماء الأجانب في حقل أبحاث تقنية الحيوية لم تقتصر على أميركا، حيث تقوم باستقطابهم من دول أخرى مثل اليابان وبريطانيا. ويذكر أيضاً أن من أبرز من نجحت سنغافورة في استقطابهم حتى اللحظة "آلان كولمان" العالم الذي نجح في استنساخ النعجة "دولي" عام 1996. فبسبب معاناته من توفير التمويل اللازم لأبحاث مرض السكري اضطر "كولمان" إلى التطلع باتجاه سنغافورة حيث وجد ممولاً جاهزاً يتمثل في "مجلس التنمية الاقتصادية" الذي يدعم عملية إنتاج الخلايا الجذعية من الأجنة بالتعاون مع مجموعة من المستثمرين الأستراليين. وبالإضافة إلى الاستقطاب من الخارج عملت سنغافورة على تنشيط ودعم الجهود المحلية في مجال إنتاج الخلايا الجذعية وقد آتت هذه الجهود أُكلها. فالعالم الذي نجح في علاج صبي يعاني من نوع من "الأنيميا" الوراثية من خلال استخدام خلايا جذعية مستخرجة من الحبل السري لطفل آخر لا يرتبط بصلة قرابة معه، كان سنغافورياً، مع كل ما يعنيه ذلك من دلالة على مردود الجهود السنغافورية في هذا المجال. واين أرنولد كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"