في الدول الخليجية الكثير من السلاح والقليل من الجنود المقاتلين. هذه حقيقة مادية نتلمسها في صفقات الأسلحة التي نقرأ عنها في الصحف. ومن المعروف أن وزارتي الداخلية والدفاع في جميع الدول العربية وليس فقط في دول الخليج خارج نطاق المحاسبة المالية المسبقة, ومن ثم هناك المليارات من الدولارات التي أُنفقت وتنفق اليوم على صفقات الأسلحة التي تصدأ في المخازن بسبب انعدام الاستعمال. وليس سراً أن الشعوب الخليجية لا تملك شخصية النفسية المقاتلة, بسبب طابع الحياة المسالم الذي تعيشه في المستوى الخاص. والدول الخليجية لم تخضْ حرباً حقيقية منذ أكثر من نصف قرن ولله الحمد على ذلك, لأن الحروب لا فائدة منها لأي شعب. لماذا إذن لا نقلل ميزانية السلاح ونوجه هذه الأموال التي ستضيع هدراً وصدأً إلى التنمية في الداخل؟ هذا الداخل الذي يتواجد فيه فقر وبنية تحتية مهترئة, وتعليم متخلف واقتصاد شكلي. هل ننكر أن الدول الخليجية لا تزال إلى اليوم عاجزة عن توفير كوادر وطنية قادرة على إدارة مؤسسات الدولة؟ هل ننكر وجود عائلات فقيرة تعاني العوز والحاجة؟ أم هل ننكر حالة البطالة التي تتفاقم يوماً بعد يوم بين شبابنا؟ ماذا عن الوضع الطبي العاجز عن تلبية المتطلبات الصحية للمواطنين في دول تعاني من نسبة عالية في الأمراض المزمنة مثل السكر والضغط وأمراض القلب والسرطان؟ وليس سراً أن هذه الدول عاجزة مادياً عن توفير الأدوية بما يتناسب مع عدد المرضى, وكذلك الأمر بالنسبة للكوادر والأجهزة الطبية, وتوفير عناية عالية المستوى للمعاقين وكبار السن. لاشك أن الوضع الصحي لدينا أفضل منه في كثير من الدول العربية, لكنه دون المستوى المطلوب أو المفترض تحققه مع وجود هذه الثروات المالية. ولاشك أن هناك من سيحتج بالأوضاع المتدهورة أمنياً في العراق, أو حتى ربما مع إيران, وهو أمر سيتسع مع خروج الأميركيين من العراق خلال عامين على أكثر تقدير كما هو واضح من تصريحات المسؤولين الأميركيين أنفسهم. لكن هل بمقدور الدول الخليجية أن تسد هذا الفراغ الأمني فعلاً؟ لا يوجد عاقل يقول بهذا, فالجيوش الخليجية لا تستطيع أن تقوم بهذا الدور الدموي في بلد مثل العراق, كما أن مواجهة إيران عسكرياً خارج نطاق القدرة العسكرية, فضلاً عن كونه لا يصب في مصلحة أحد. كما أن حقائق التاريخ تدل على أن الحكومات الخليجية لا تستخدم جيوشها ضد المواطنين كما هو حال بعض الدول. إذن يمكن القول إن هذا الإسراف في شراء الأسلحة لا مبرر ولا معنى له سوى الاستعراض الذي يعلم الجميع شكله الظاهري. نتمنى وبحق, أن تتوقف عمليات شراء الأسلحة حتى وإن كانت هناك فائدة سياسية منها كتوثيق العلاقات بعض الدول الصديقة... لكن بناء مدرسة ومستشفى أفضل مليون مرة من شراء دبابة نعلم جميعاً أنها لن تستخدم سوى في المناورات والاستعراضات العسكرية. وللأسف أن المؤسسة العسكرية العربية هي المؤسسة الوحيدة التي تحصل على العديد من المزايا المالية والاجتماعية دون مردود حقيقي للمجتمع سوى تضييع الأموال, حتى في وقت الحرب, لأن الأنظمة الخليجية ليست قابلة لمنطق الحرب, وهذه ميزة إيجابية, لكنها للأسف لا تنعكس على المفهوم العسكري السالب الذي تمارسه هذه الأنظمة من خلال صفقات السلاح التي لا فائدة منها. متى نستوعب حقيقة أن التنمية أهم من السلاح ؟... لا أدري.