ربما يكون وزير الصحة، حميد القطامي، قد سمّى الأشياء بمسمياتها الحقيقية حين "شخّص" تزايد أعداد المواطنين الذين يتوافدون على مكتبه يومياً للحصول على موافقات للعلاج بالخارج، معتبراً أن البعض من هؤلاء "متمارضون" يبحثون عن سياحة علاجية مجانية على نفقة الدولة، مستغلين سخاء الدولة في الإنفاق على مواطنيها في مجال الرعاية الصحية. ولكن المؤكد أن المناقشة الموضوعية تقتضي القول بأنه قد تكون هناك قلة تنحو بالفعل هذا المنحى، ولكن من الصعب تعميم هذه الفرضية والقول مثلاً بأن "التمارض" يقف وراء ذهاب شريحة كبيرة من إجمالي 62 ألف مواطن هم عدد المرضى والمراجعين الإماراتيين للمستشفيات التايلاندية منذ يناير وحتى أغسطس الماضي، إلى تلك المستشفيات! ولو سلّمنا جدلاً بأن هناك نسبة غير معلومة من "المتمارضين" الذين يسافرون إلى العلاج بالخارج على نفقة الدولة، فإن ذلك لا يغني عن ضرورة البحث في الأسباب الحقيقية التي تقف وراء الرغبة في العلاج بالخارج، ابتداءً من التفتيش والبحث في ما يبطنه النظام الصحي المحلي من نواقص وعيوب خطيرة تنال من صورته الذهنية وتسهم في تدهور معدلات ثقة المواطنين فيه بدرجة كبيرة، ولعلّ الشكوى التي نشرتها أمس صحيفة "الخليج" لإحدى المواطنات هي المثال الأحدث على السلبيات التي تستوطن نظامنا الصحي، حيث ذكرت المواطنة في شكواها أن ثلاثة أطباء يعملون بمستشفى حكومي فشلوا في تشخيص حالتها الصحية، رغم الفحوصات الطبية الشاملة التي استغرقت نحو خمسة أيام ولم يعترفوا بالتقرير الطبي الصادر عن مستشفى طبي خاص في الدولة والذي حدّد حالتها المرضية بوجود "فتق في جدار البطن" في حين لم يكلّف الأطباء أنفسهم عناء مناقشة الأمر والاتصال بالمستشفى الخاص ومناقشته في الحالة للوصول إلى رأي طبي سليم، خصوصاً أن طبيب المستشفى الخاص تمسّك برأيه وأبدى استعداده لإثبات ذلك أمام لجنة طبية محايدة من جرّاحين كبار! هذا بالطبع أحد ملامح أو مظاهر المعاناة التي تتبلور بالنهاية وتفرز أزمة ثقة بين المرضى والأطباء وتجعل الميزانية الصحية الضخمة لا تحقق المرجو ولا تسهم في خفض الطلب على العلاج بالخارج، خصوصاً أن التقارير والأرقام تؤكد أن الخدمات الصحية العلاجية والمعاملة الجيدة التي يلقاها المواطنون في مستشفيات دول مثل تايلاند أو غيرها تبدو أفضل من نظيراتها في كثير من مستشفيات الدولة، ناهيك عن التكلفة الاقتصادية المنخفضة التي تقلّ عن نظيراتها في مستشفيات القطاع الخاص المحلية التي تبالغ كثيراً وتضطر المرضى أو بالأحرى تجبرهم على تحمّل فاتورة فحوصات طبية لا يحتاجونها في أحيان كثيرة بسبب ما يعرف بعلاقة "البزنس" التي تربط بعض أطباء المستشفيات الخاصة بمختبرات تحليل أو أشعة، وغير ذلك من الممارسات الرديئة التي تصبّ في مجملها لترسم صورة ذهنية سلبية وتعمّق أزمة الثقة وتغذي الشكوك القائمة بالفعل لدى الغالبية. "التمارض" إذاً ظاهرة إنسانية موجودة وقائمة بنسب ودرجات متفاوتة، ولكن وجود هذه الظاهرة لا ينفي ويجب ألا يخفي الأسباب الحقيقية التي تغذي ملف التدافع نحو العلاج بالخارج. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية