في الكلمة التي ألقاها "بن بيرنانك" رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أمام اجتماع "جاكسون هول"- وايومينج لمسؤولي البنك نهاية الأسبوع الماضي قال إن دينامية نظام العولمة القائمة على التكامل بين الإنتاج والتجارة تضم في طياتها قوى مدمرة. كانت هذه ملاحظة واقعية مرحباً بها في تلك المناقشات. وقال رئيس الاحتياطي الفيدرالي أيضاً إنه ليس ثمة ضمان لاستمرار الإجماع الدولي على اتخاذ المزيد من الإجراءات من أجل تخفيف القيود التنظيمية، وتحقيق التكامل التجاري تحقيقاً لشروط العولمة. حتى الآن، لم تقدم القوى الاقتصادية الكبرى في العالم إزاء هذا الوضع سوى وعود جوفاء لضحايا تصدير الأعمال للخارج، وتقليص حجم، وتدمير، الصناعات المحلية والمشروعات التجارية، والزراعة العائلية التي يعتمد عليها المزارعون كمصدر وحيد للرزق. وقد قللت تلك القوى من شأن هذه المصائب باعتبارها عرضاً عابراً من أعراض التقدم. وفي الحقيقة أن تلك الأعراض تمثل جزءاً لا يتجزأ من العولمة وكما قال "بيرنانك" فإنها قد تتفاقم وتصبح أسوأ مما هي عليه. وقدم "بيرنانك" مساعدة موضوعية صغيرة لضحايا التقدم عندما قال: "إن التحدي الذي يواجه صناع السياسات هو التأكد من أن فوائد التكامل الاقتصادي العالمي يتم تقاسمها على نطاق واسع من أجل تحقيق تغيير يصب في النهاية في خانة زيادة الرفاهية"، ومما قاله "بيرنانك" أيضاً أنه يجب تدريب العمال الذين حرموا من أعمالهم بحيث يكونون قادرين على الاستفادة من الفرص الجديدة. وعبر الحاضرون في نفس الاجتماع عن هموم جدية بشأن حقيقة أن هناك قدراً هائلاً من رؤوس الأموال الخاصة بالدول الفقيرة في آسيا، وأميركا اللاتينية، والشرق الأوسط، يتم استثماره في الوقت الراهن في الولايات المتحدة، ولمصلحة الأميركيين. وقال "بيرنانك" إن ذلك يرجع في المقام الأول إلى الافتقار إلى الفرص الاستثمارية.. بيد أن "كينيث روجوف" الأستاذ بجامعة هارفارد حذر من أن الاعتماد الأميركي على الدول النامية يعد علامة ضعف لأن مثل هذا التوجه ليس من النوع الذي يمكن عكسه أو تغيير اتجاهه كما هو واضح. كما قال إن ذلك ينطبق أيضاً على الشراء المنظم والمتواصل من جانب الصين للدَّين الأميركي العام، وهو ما مكن إدارة بوش من الإنفاق المتزايد باستمرار دونما حاجة من جانبها لفرض ضرائب متزايدة دوماً على زبائنها من المصانع وأرباب الصناعات وغيرهم من الداعمين، الذين يحصلون على مزايا كبيرة من وراء سياساتها. ومن الأدلة الأخرى على أن الدول الفقيرة هي التي أصبحت تدعم الدول الغنية في الوقت الراهن، الأنباء التي تفيد بأن فقراء الولايات المتحدة يقومون بنفس الشيء تقريباً أي أنهم هم الذين يقومون بدعم الأغنياء في مجتمعهم. فأجور ومرتبات العمال الأميركيين تشكل أقل نصيب في الناتج المحلي الإجمالي منذ أن تم البدء في إحصائها منذ قرابة ستين عاماً. في نفس الوقت وصل نصيب أرباح الشركات والمؤسسات التجارية من الناتج المحلي الإجمالي إلى أعلى مستوى له منذ 40 عاماً. وربح الإنتاجية في الصناعات الأميركية في السنوات الأخيرة أصبح أكبر بمرتين من مقدار الارتفاع في إجمالي التعويضات للعامل العادي، فقد بلغت زيادة الإنتاجية 16,6 في المئة خلال الفترة ما بين عامي 2000، و2005 مقارنة بـ7,2 في المئة من ربح الأجور للعمال. وحسب تقرير "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" فإن عدد ساعات العمل للعمال الأميركيين قد زادت بنسبة 20 في المئة خلال الفترة ما بين 1970- 2002. وخلال نفس الفترة، فإن عدد ساعات العمل في بريطانيا هبط بنسبة 7,2 في المئة، وفي ألمانيا بنسبة 17,1، وفي اليابان بنسبة 16,6. ومن المعروف أن متوسط ساعات العمل الإجمالية في الولايات المتحدة يبلغ 1,792 ساعة سنوياً. أما بالنسبة للقوة الشرائية لشريحة الأجور الدنيا في الولايات المتحدة فقد وصلت إلى أدنى مستوى لها خلال 50 عاماً، في نفس الوقت الذي ارتفعت فيه تكلفة الخدمات الصحية، وهناك اتجاه مستمر من قبل الشركات الأميركية للاستغناء تماماً عن مساهماتها في توفير الضمان الصحي ومعاشات العمل لموظفيها لأنها ببساطة لم تعد قادرة على دفعها بسبب حدة المنافسة العولمية، ومطالبات "وول ستريت" بعوائد متزايدة باستمرار. ويرجع السبب الأساسي للزيادة النسبية في عدد الساعات التي يتم قضاؤها في العمل، والانخفاض النسبي في الأجور في الولايات المتحدة، إلى فقدان العامل لقدرته على المساواة بسبب الاتحادات التي تم إضعافها، والتهديد المسلط على رأسه بأنه ما لم يعمل في الوظيفة بالأجر المحدد له فسيتم تصديرها، أي تكليف مصادر خارجية بالقيام بها. علاوة على ذلك لم يعد الأميركيون يحصلون على إجازات. ففي تقرير لـ"مجلس المؤتمرات" وهي مجموعة تجارية مستقلة جاء أنه في مسح تم إجراؤه في بداية هذا الصيف تبين أن 40 في المئة فقط من الذين أجري عليهم المسح هم الذين خططوا للحصول على إجازة خلال الشهور الستة التالية وهي أدنى نسبة من نوعها خلال 28 عاماً. وقد أكد مسح أجراه معهد "غالوب" ذلك في شهر مايو. وتقول تلك المجموعة التجارية إن الناس مشغولون للغاية إلى درجة لا تسمح لهم بالحصول على إجازات لأن تضاعف وسائل الاتصال الإليكتروني والحاجة إلى البقاء على اتصال مع المستهلكين والمتنافسين جعلا إيقاع العمل محموماً بدرجة لا تسمح للناس بمغادرة مكاتبهم. ويشير آخرون إلى أن بعض الموظفين أصبحوا يعتقدون أنهم لو ذهبوا في إجازة فإن هناك آخرين سيحلون محلهم، وأنهم لن يجدوا وظائفهم في انتظارهم عندما يعودون إلى الوطن قادمين من إجازاتهم في الخارج. قد يكون ذلك صحيحاً بالنسبة لبعض الناس.. ولكن الحقيقة هي أن هناك موظفين لا يمنحون إجازات في الأصل. فربع عدد الموظفين الأميركيين العاملين في القطاع الخاص لا يحصلون على إجازات على الإطلاق وذلك وفقاً لبيانات إحصائيات مكاتب العمل. وهناك 33 في المئة آخرون يحصلون على إجازة لا تزيد على أسبوع في العام. أما نظام الإجازة "العائلية السنوية" القديم لمدة أسبوعين والذين كان تقليداً أميركياً ثابتاً فيبدو أنه قد انتهى إلى الأبد. أما الفكرة الخاصة بالحصول على إجازة سنوية لمدة ستة أسابيع (بالإضافة إلى تشكيلة متنوعة من الإجازات العامة والعطلات الدينية) مثل تلك التي يحصل عليها الموظفون الفرنسيون والألمان فتبدو فكرة خيالية في أذهان الأميركيين الآن.. لا بل إن هؤلاء من الأميركيين من يتعجبون من قدرة الاقتصادات الأوروبية على الاستمرار في منافسة الاقتصاد الأميركي في نفس الوقت الذي يحصل فيه العمال والموظفون فيها على كل هذا القدر من الإجازات.. ولكن هذا هو الذي يحدث بالفعل. إن اليوم الاثنين الموافق الرابع من سبتمبر هو يوم "العمل" في الولايات المتحدة وكندا وهو اليوم الذي أعلنته الاتحادات العمالية عام 1882، وجعله الكونجرس الأميركي إجازة رسمية عامة عام 1894. كان الغرض من هذا اليوم في الأساس هو تكريم العمال ومكافأتهم –على الأقل هؤلاء القادرين على الحصول على إجازة في ذلك اليوم. ويليام فاف ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب ومحلل سياسي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفس"