في الوقت الذي تنشغل فيه دول العالم المتحضر بالتسلح النووي الإيراني وما قد يترتب على ذلك من عقوبات بعد انتهاء المدة القانونية التي حددها مجلس الأمن الدولي، وبينما تنشغل دول الخليج العربية بمتابعة الحرب الأهلية في العراق، وما قد تثيره من قلاقل في المنطقة المجاورة، وبينما ينشغل السياسيون والاستراتيجيون بدراسة ما بعد الحرب اللبنانية وما قد يترتب عليها من أحداث قادمة، ينشغل بعض أعضاء مجلس الأمة الكويتي ذوي الانتماء الديني والقبلي، بإثارة قضية الأندية الرياضية النسائية التي تقدم دروساً في الرقص الشرقي، حيث اعتبرها أقطاب التيار الديني جريمة يجب إيقافها قبل أن يحل غضب الله على البلد. مبارك المطوع، أمين عام "اللجنة الإسلامية العالمية لحقوق الإنسان" طالب بإحالة المسؤولين عن هذا النشاط إلى النيابة العامة معتبراً أن "تقديم دروس في الرقص الشرقي جريمة أقل ما يقال عنها، إنها تحرض على الفسق والفجور". مفرج نهار، النائب السابق، وعضو "التجمع الإسلامي السلفي" أكد أن الحرية الشخصية لها ضوابط، موضحاً أن الكويت دولة مؤسسات يحمكها القانون، وبالتالي لا مجال للحرية الشخصية المطلقة. النائب خضير العنزي اعتبر وجود هذه المدارس دعوة صريحة للفسق والفجور. أما النائب عبدالله العجمي، فقد طالب بمحاسبة الجهة الحكومية التي منحت مثل هذه المدارس تراخيص قيام مثل هذه الأنشطة غير الأخلاقية. التيار "الليبرالي"، من جهته، رحب بالفكرة معتبراً الرقص الشرقي أحد أنواع الفنون الراقية، طالما أنه يخلو من الابتذال. الدكتورة منى الغريب أكدت أن التراث الكويتي القديم كان ولا يزال، به العديد من الرقصات مثل السامري والبدوية والبحارة، وهي رقصات يستخدم بها الجسد أيضاً، واعتبرت منى الغريب، الرقص الشرقي نوعاً من أنواع الرياضة البدنية، موضحة أن تعلم المرأة الرقص الشرقي، لا يعني أنها تريد أن تعمل كراقصة شرقية، حيث إن الرقص مجرد هواية. المحامية سلمى العجمي أكدت أن الرقص الشرقي هو نوع من أنواع الفنون وموجود في البلاد العربية، وأنه تراثي وموجود في مصر حيث يوجد بها الأزهر الشريف الذي لم يعترض كمرجع ديني، هو وعلماؤه، على ذلك. ووصفت سلمى العجمي الرقص الشرقي في النوادي الصحية بأنه موضوع لا يحتاج إلى إثارة، وخاصة أنه يدخل ضمن بند الحريات الشخصية كونه يمارس داخل أماكن خاصة بالنساء، وأن الهدف منه هو إنقاص الوزن. كان يمكن تجاهل التفاهات والتصريحات التي يثيرها بعض نواب "مجلس الأمة"، لكن تنامي النزعة الفاشية بين الحركات الإسلامية والقومية، قد يقوض أهم مفاهيم الديمقراطية وهو الحرية الشخصية. حركات الإسلام السياسي في حالة هجوم في سائر البلدان العربية والأجنبية، وإن اتخذت بعضها سمة التمرد والعنف والإرهاب، بينما بعضها الآخر يتخذ سمة الاعتدال والوسطية، مثلاً "حزب العدالة والتنمية" التركي، يحاول تقديم مرجعية إسلامية جديدة تعتمد على الاهتمام بالاقتصاد والتنمية والانفتاح على الدول الغربية المتحضرة. إذن ما بال الحركات والأحزاب الدينية في الخليج جامدة غير مجددة، ولا تملك أي رؤية إسلامية تنموية متعددة الجوانب بعض الأحزاب الدينية الخليجية اتخذت الإرهاب والعنف طريقاً لها في السعودية وبعضها الآخر في الكويت والبحرين، يستغل الديمقراطية والانفتاح السياسي لوأد الحرية ومصادرتها والتدخل في شؤون العباد الخاصة وتمنع المرأة حق الاختيار. لماذا ترفض الحركات الإسلامية في الخليج مفاهيم الحرية والديمقراطية، في الوقت الذي تحاول فيه الجماعات الإسلامية المصرية طرح وجهة نظر معتدلة ومتسامحة، تنبذ فيها العنف والإرهاب والتطرف؟ كيف يمكن لنا كمجتمع ديمقراطي منفتح، محاربة الإرهاب والتطرف في منطقتنا، إذا لم نتصدّ ونرفض بقوة، الإرهاب الفكري الذي تمارسه جماعات الإسلام السياسي، من دون أن نضر بقيمنا التي نؤمن بها؟ كيف يمكننا الموازنة بين الحقوق الفردية التي كفلها الدستور الكويتي ونواب جهلة وأشباه أميين، ينتمون لأحزاب وحركات دينية لديها طموحات سياسية بأسلمة القوانين والمجتمع، تمهيداً لقيام الدولة الإسلامية المستبدة. ما نحتاج إليه في الخليج، ليس مجاملة ومهادنة التيارات الدينية لاعتبارات سياسية قصيرة النظر. ما نحتاج إليه هو تعزيز مفهوم الدولة المدنية وبناء بيئة مجتمعية تسودها الحرية والتسامح. بيئة لا يستطيع فيها، أصحاب الفكر الشمولي الإرهابي، مصادرة حقوق الآخر واختراقها باسم الدين تارة وباسم العادات والتقاليد تارة أخرى.