إمعاناً في الرفض، وتأكيداً له لم يلتق الرئيس السوداني عمر البشير السيدة "جنداي فريزر" مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية ومبعوثة الرئيس الأميركي التي جاءت إلى الخرطوم في مطلع هذا الأسبوع في محاولة أخيرة من واشنطن لإقناع الحكومة السودانية بضرورة قبولها بإرسال قوة دولية تشرف على الوضع في دارفور، واكتفى الرئيس السوداني بأن كلف وزير خارجيته واحد مستشاريه للقائها وتأكيد رفض الحكومة لمشروع القوة الدولية. ولما كانت السيدة "فريزر" تجيء للخرطوم بوصفها مبعوثة خاصة للرئيس الأميركي، فإن عدم لقائها قد تكون له آثاره في التعامل الدبلوماسي بين البلدين. لقد كان استقبال المبعوثة الأميركية في الخرطوم غير ودي وبدأ وصولها مطار الخرطوم بمواجهة مظاهرة نسائية صاخبة تدعوها للعودة إلى بلادها وتقول لها إننا دعاة سلام وأنت داعية حرب! إن الإقتراح المطروح أمام مجلس الأمن حول دارفور مقدم من الدولتين الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، وهو المشروع الذي جاءت مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية لإقناع السودان به وفشلت مهمتها. والمشروع يخطو خطوة جديدة لإقناع الخرطوم بالتدخل الدولي؛ فهو لا ينص على تشكيل قوة جبرية مستقلة، ولكن ينادي بتوسيع سلطات بعثة الأمم المتحدة الموجودة واقعاً في السودان لتمتد سلطاتها إلى دارفور. وهذه البعثة المشار إليها تم الإتفاق عليها من قبل تنفيذاً لإتفاقية (نيفاشا)، وهي منتشرة الآن في أكثر من منطقة في السودان مثل الجنوب ومنطقة جبال النوبة إضافة إلى منطقة جنوب النيل الأزرق، ولا شك إن رفض حكومة السودان لهذا المشروع في شكله هذا يعتبر نوعاًً من التطرف في رفض التدخل في دارفور. وإذا نظرنا للواقع الماثل في دارفور نجد أنه يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وأن الاشتباكات المسلحة، تتزايد وأن أعداد المشردين من ديارهم ارتفعت من مليوني مواطن إلى ثلاثة ملايين، وأن وصول العون الغذائي والصحي وغيره للمحتاجين له قد تناقص، لأن الوضع الأمني لا يسمح للمفتشين بالتحرك من مكان لآخر. ويتضح لنا رغم هذا الشطط في الرفض أن التمسك به والإصرار عليه يأتي من حزب المؤتمر الوطني (الإنقاذ) وحده فهناك الشريك الآخر في الحكم وهو الحركة الشعبية التي لا توافق على الرفض، وكذلك لا يوافق الفصيل الدارفوري الذي وقع إتفاقية سلام مع الحكومة فيما عرف بإتفاقية (أبوجا)، أما أحزاب المعارضة السياسية، فكلها تقبل التدخل الدولي في دارفور، وترى أن الواقع يفرضه ولا شك أن كل هذا معلوم ومعروف لدى القوى التي تدير الأمر في مجلس الأمن. والأمر برمته الآن أمام مجلس الأمن الدولي للبحث عن مخرج يكبح الأزمة في دارفور، ويبدو أن حكومة السودان ممثلة في حزب "المؤتمر الوطني" تأمل في أن تقف إلى جانبها إحدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي في الغالب جمهورية الصين التي تربطها بالخرطوم مصالح واسعة خاصة في مجال التنقيب على البترول واستخراجه وتصديره، ولكن هل ستقف الصين مع الخرطوم إلى مستوى ممارسة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن أم أن الوضع سيتبدل ويتغير نتيجة المشاورات حتى يصل إلى موقف يدرك الوضع المتردي في دارفور قبل فوات الأوان؟ ملحوظة: عادت رئاسة الجمهورية في السودان وأعلنت أن الرئيس سيلتقي المبعوثة الأميركية بعد أن مكثت في الخرطوم ليومين وبعد أن أعلن الرئيس أنه لن يلتقيها. محجوب عثمان