مهما إدعى إيهود أولمرت رئيس الحكومة الاسرائيلية، ومهما تمنّت وقالت وصرّحت وزيرة خارجيته تسيبي ليفني، فإن حالة الكره والعداء لاسرائيل قد تعمقت أكثر وأكثر بعد الحرب الأخيرة على لبنان، سواء داخل الأوساط اللبنانية أو على الساحتين العربية والاسلامية. إذ ليس ثمة أحد في لبنان يصدق قول ليفني: "إنه لا يوجد خلاف بين إسرائيل ولبنان، وعليه فلن يكون هناك في المستقبل ما يمنع التوصل إلى سلام بين البلدين! والكل يسأل، وفي معزل عن اعتبار البعض أن العملية التي نفذها "حزب الله" وخطف جنديين إسرائيليين كانت شرارة الحرب الأولى، وبالرغم من قول السيد حسن نصرالله إنه لو عرف أن حجم الحرب سيكون على ما ظهر لاحقاً لما أقدم الحزب على تنفيذ العملية، واعتبار كثيرين أن في هذا القول اعترافاً بسوء التقدير، الذي كلف البلاد والعباد الكثير الكثير، والذي يؤكد مقولة إن قرارات بهذا الحجم لا يمكن لفريق أن يتخذها لوحده، بالرغم من كل ذلك ومن كل ما يمكن أن يقال، فإن "حزب الله" هو حزب لبناني له حضوره السياسي والثقافي والاجتماعي والشعبي الواسع في لبنان، وهو يمثل قوة سياسية كبيرة، وممثل في المجلس النيابي والحكومة. وبالتالي هو جزء أساس من هذا النسيج السياسي اللبناني الذي يعتبر أن إسرائيل هي عدوة، وهي مصدر الحروب والأزمات وعدم الاستقرار في لبنان وكل المنطقة! من هنا فإن قول "ليفني" إنه لا يوجد خلاف بين لبنان وإسرائيل قول ساقط! لأن ما بينهما أكثر من خلاف. هي حالة عداء حقيقية! كذلك، فإن القوى التي قاتلت إسرائيل ورفضت مشروعها على مدى عقود من الزمن، لم تغير قناعاتها الأساسية، والقوى التي انفتحت في مرحلة معينة على إسرائيل وتعاملت معها، تؤكد خروجها من هذه الدائرة منذ سنوات أي منذ التزامها بـ"اتفاق الطائف". وأقول بصراحة، حتى لو كان البعض يشكك في جانب من هذه السياسة، أو يحذر، أو لا يرتاح، لبعض المواقف والتصريحات والممارسات، فإن كل ذلك يبقى في دائرة السياسة اللبنانية الداخلية، ولا يؤثر على أساس وقاعدة أن لبنان ينظر إلى إسرائيل كعدو، فكيف عندما يرى اللبنانيون أن آلة الحرب الاسرائيلية المدعومة من الإدارة الأميركية، قصفت وضربت كل المناطق اللبنانية تقريباً ودمرت المنشآت الحيوية فيها، وألحقت خسائر فادحة في كل الاقتصاد اللبناني، وهددت مصير البلد وحاصرته، وأغلقته على اللبنانيين، وحاولت وتحاول وستبقى تحاول هز الاستقرار الداخلي، ومنع لبنان من النهوض لأنه النموذج الذي يقلقها في الأساس؛ فكيف بعد هزائمها المتكررة على أرضه وسقوط هيبتها "وصدقية" جيشها في أنه الجيش الأسطورة والجيش الأقوى في المنطقة، الذي لا يقهر... وقد قهرته سواعد الفقراء اللبنانيين الأغنياء بإرادتهم وعزيمتهم وصلابتهم وأخلاقهم وقيمهم! نعم. إسرائيل هي العدو لنا، وللعرب وللمسلمين. هي المحتل لأرضنا في فلسطين والجولان ولبنان. وهي دولة الارهاب المنظم الذي يمارس في كل مكان، والدولة المارقة التي لا تقيم وزناً واعتباراً واحتراماً للقوانين والأعراف الدولية، ولا تعرف طريقاً إلا طريق الإجرام والارهاب والقتل الجماعي والاغتصاب والتعذيب والحصار ضد العرب أينما كانوا، تدعمها في ذلك سياسة أميركية تهدد الأمن والاستقرار في العالم، ولا تستند إلا الى منطق القوة والغطرسة فقط . أقول هذا الكلام اليوم، وبعد تصريحات "ليفني" وموقف رئيس حكومتها إيهود أولمرت الداعي إلى مفاوضات مباشرة بين الحكومتين اللبنانية – والإسرائيلية كنتيجة "حتمية" وطبيعية "لانتصاره" المزعوم في الحرب الأخيرة على لبنان! وهو يحاول تقليد معلمه وملهمه شارون الذي وبعد اجتياح لبنان عام 82 دخل في مفاوضات مع السلطة اللبنانية، وهو أي أولمرت رجل لا يعرف التاريخ والوقائع والحقائق، وإذا عرف شيئاً منها فهو غير قادر– أو غير راغب – في التعامل معه! لقد تغيرت الموازين منذ ذلك الوقت حتى الآن. واجتاحت اسرائيل لبنان أربع مرات وسقطت حتى طردت عام 2000 ثم كررت التجربة عام 2006 وسقطت. وتغير النظام في لبنان، وتغيرت الموازين فيه أيضاً، وتعلم معظم اللبنانيين إلى حدود بعيدة من دروس الماضي، وبالتالي: لن تكون مفاوضات مباشرة بين لبنان وإسرائيل. لن تكون تسوية بين البلدين أو اتفاقات سلام أو مكاسب سياسية لإسرائيل من الحرب الأخيرة. هذا أمر محسوم في لبنان الذي تكرر قيادته بلسان رئيس الحكومة وغيره من المسؤولين المقولة الثابتة إن لبنان لن يكون إلا الدولة الأخيرة التي يمكن أن تفكر في التسوية مع إسرائيل بعد الحلول مع الفلسطينيين والسوريين وتحرير الأرض المحتلة وتنفيذ القرارات الدولية، ولبنان يتمسك باتفاق الطائف الذي يتحدث عن الهدنة بينه وبين اسرائيل. والقائلون إن إسرائيل لا تقبل باتفاق الهدنة الذي ينص على وجود 1500 عسكري فقط في الجنوب فيما المطلوب أكثر، يعلمون أن الجيش الموجود الآن في الجنوب بلغ عدد أفراده 15000 وبموافقة الأمم المتحدة وإسرائيل، وبالتالي كل شيء قابل للنظر إلا مسألة الاتفاق مع اسرائيل لأن في لبنان تاريخاً وظروفاً وخصوصيات لا يمكن لأحد تجاوزها أو تجاهلها في مقاربة لأمور داخلية مصيرية مثل الاتفاق أو الحرب مع إسرائيل! إن القادة الاسرائيليين المهزومين، والمهزوزين بصدقيتهم ومسلكيتهم ومسؤوليتهم وأماناتهم يحاولون اعتماد سياسة الترهيب والترغيب والعرقلة، ورمي البالونات والشعارات والمناورات لافتعال نقاشات وسجالات في لبنان ولتصوير الوضع وكأن لبنان في مكان و"حزب الله" في مكان آخر، ودفع الأمور الى صدامات ومواجهات في الداخل، وهذا غير صحيح ولن يحصل لأن الحزب، حزب لبناني وحزب فاعل في الحياة السياسية اللبنانية كما قلت، ومهما كانت التباينات في وجهات النظر كبيرة فإن اسرائيل تبقى العدو، ولأن رهاننا هو على حكمة وعقلانية القادة اللبنانيين المدعويين الى معالجة كل القضايا انطلاقاً من التأكيد على ضرورة الحفاظ على التنوع في إطار الوحدة الوطنية اللبنانية، وتقديم المصلحة الوطنية على أي اعتبار آخر! إذا كانت اسرائيل تريد السلام، فمبادرة السلام العربية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز موجودة كحد أدنى اتفق عليه العرب بالإجماع، وإذا كانت حريصة كما تدّعي على ألا مشكلة مع لبنان، فلتنسحب من أرضه، ولتنفذ القرار1701 بدقة وأمانة، ولترفع الحصار عن اللبنانيين كل اللبنانيين، ولتوقف عمليات الانزال والتوغل والتهديد والوعيد. واللبنانيون يعالجون قضاياهم داخل بلدهم! أما سياستها بالهروب الى الأمام وتنفيس أحقاد وحسابات قادتها على أرضنا، فنتيجتها المزيد من الخيبة والسقوط مثل أوهام أولمرت وليفني وغيرهما!