"لو أن المسلمين في أوروبا يتصرفون كالمسلمين المتعلمين العلمانيين المتشبعين بالثقافة الأميركية في الولايات المتحدة، ما كان أحد ليقلق وما تفاقمت المشاكل"... قول كثيراً ما نسمعه في وسائل الإعلام في إشارة إلى قرابة الستة ملايين مسلم الذين يعيشون في الولايات المتحدة، والذين كثيراً ما يتم وصفهم بأنهم مندمجون جيداً ومستعدون للتخلي عن دينهم وثقافتهم واعتناق القيم ونمط العيش الأميركيين. غير أنني سافرت خلال السنتين الماضيتين عبر البلاد، وزرت مساجد، وحاورت زعماء مسلمين، وتحدثت إلى مسلمين شباب في الجامعات والمراكز الإسلامية من نيويورك إلى ميتشيجن إلى كاليفورنيا، فاكتشفت حقيقة مختلفة. والحقيقة أنني لم أجد مؤشرات كثيرة على التشدد في أوساط المسلمين بالولايات المتحدة على شاكلة ما هو موجود في لندن. غير أن قصة المسلمين الأميركيين في الوقت نفسه هي قصة نفور وابتعاد عن نمط العيش العام السائد في الولايات المتحدة، حيث يوثر المسلمون في هذا البلد هويتهم الإسلامية على هويتهم الأميركية. ذلك أن الجيل الجديد من المسلمين الأميركيين– الذي يعيش في ظل هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 – غدا أكثر تديناً، إذ من المرجح جداً أن يجنح إلى مجتمعاته، وألا يتبنى بوتقة الانصهار القائمة على القيم والثقافة المشتركة. ولعل أحد أسباب ذلك يعزى إلى صعود المد الديني على مدى العقود الماضية، وهو صعودٌ ظهر بجلاء في أوروبا الغربية والولايات المتحدة مثلما في مصر والمغرب. غير أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر كان لها أيضاً الأثر المزدوج في جعل المسلمين الأميركيين يشعرون بالعزلة في البلد الذي تبنوه؛ وفي دفعهم، في الآن نفسه، إلى إعادة اكتشاف دينهم. فمن المدارس إلى اللغة إلى الدين، يمكن القول إن المسلمين الأميركيين هم اليوم بصدد التحول إلى أناس مختلفين؛ حيث أصبحت المسلمات الأميركيات الشابات من الجيل الأول- أولئك اللاتي ولد آباؤهن في مصر وباكستان وبلدان إسلامية أخرى- يرتدين الحجاب، حتى وإن كانت أمهاتهن قد تخلين عنه؛ وأضحت أعداد متزايدة من الشباب المسلم تذهب إلى المدارس والمحاضرات الإسلامية؛ كما انتشرت جمعيات التلاميذ والطلبة المسلمين في المدارس الثانوية والجامعات؛ وتطور دور المسجد من مكان للعبادة فقط إلى مركز اجتماعي يتعلم فيه الجيل الجديد العربية والأوردو إضافة إلى القرآن الكريم. الرجال والنساء الذين تحدثت معهم– جميعهم ممن يذهبون إلى المسجد، ومعظمهم ولد في الولايات المتحدة من والدين مهاجرين- كانوا من الطلبة والنشطاء والأئمة والمسلمين عاديين. جميعهم ومن دون استثناء تقريباً، يتذكرون الحصار الذي أحسوا به في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر عندما كان موظفو "المكتب الفيدرالي للتحقيقات" يقتحمون مساجدهم ومنازلهم، والجيران ينظرون إليهم نظرة الشك والتوجس، والبرامج التلفزيونية تصور المسلمين على أنهم أعداء للغرب. كل هذه الأحاسيس- يقولون- دفعتهم إلى تبني الرموز الدينية– الحجاب بالنسبة للنساء والكوفية أو القبعة بالنسبة للرجال- باعتبارها "آلية دفاعية". والعديد منهم مثل ريحان التي قابلتها في إحدى المدارس الدينية بكاليفورنيا رفقة زوجها رامي شعرت أيضاً بواجب التعمق في فهم دينها. تقول ريحان "بعد أن ارتديت الحجاب، كنت أرغب في إعطاء الناس انطباعاً جيداً عن الإسلام؛ وكنت أرغب في أن يعلم الناس مدى سعادتي بديني". غير أن الجميع لم يفهم، حيث حكت "ريحان" حادثاً في السوق في 2003 قائلة "الرجل الواقف بالقرب مني في جناح الخضراوات قال لي "ستكونين أجمل من دون ذاك الشيء على رأسك". والحال أن الحجاب يمثل بالنسبة لـ"ريحان" رمزاً للعفة والاحتشام، وليس القمع والاضطهاد. فاطمة شابة أميركية مسلمة أخرى التقيتها بمسجد "ديكس" في ديربورن بولاية ميتشيجن، ومعلمة بالصف الثالث، وصفت لي مدى أهمية المسجد في حياتها قائلة "الشيء الوحيد الذي جعلني لا أفقد صوابي خلال دراستي في الثانوية هو حضور حلقات الدرس والوعظ بالمسجد كل يوم أحد".؛ حيث حرصت فاطمة على النأي بنفسها عن مسلمات شابات أخريات ممن يتبنين العادات والقيم الأميركية إذ تقول "بعض المسلمات مستعدات لفعل أي شيء من أجل الاندماج. وأخشى ما أخشاه أن أندمج في نمط العيش الأميركي إلى درجة أفقد فيها عفتي". إمام زايد شاكر –الذي يُدرس بمعهد الزيتونة في سان فرانسيسكو، وهو المدرسة الدينية الحقيقية الوحيدة في أميركا- فيسمي المسلمين الشباب من هذا النوع بـ"الجيل الرافض" على اعتبار أنه لا يدير ظهره للتأويلات الدينية فحسب، وإنما أيضا لطرق أميركا العلمانية. ويذكر أن العديد من هؤلاء الشباب المسلم يلجأ إلى شاكر (وإلى مؤسس الزيتونة المشهور حمزة يوسف) من أجل النصح والإرشاد حول كيفية عيش حياة عفيفة في الولايات المتحدة. أن تكون سفيراً للإسلام مهمة جسيمة إذا ما أخذنا في الحسبان أن المسلمين الأميركيين يعيشون في بلد حيث العديد من الناس يجهلون– ما لم يعادوا- هذا الدين. فحسب استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب هذا العام، كان الجواب الأول للمستجوبين الأميركيين الذين سئلوا بخصوص ما الذي يعجبهم في العالم الإسلامي هو "لاشيء" (بنسبة 33 في المئة)، والثاني "لا أعرف" (بنسبة 22 في المئة). الواقع أنه من السابق لأوانه الجزم بنتيجة النفور المتزايد للمسلمين الأميركيين من المجتمع، غير أنه يبدو واضحاً أن العوامل المساهمة فيه ستظل قائمة. وفي هذه الأثناء، تستمر السياسة الخارجية الأميركية في تقسيم العالمين الإسلامي والغربي، وهو ما يجعل من الصعب على الأميركيين إدراك أن ثمة فرقاً بين جارهم المسلم والمخطط لعملية إرهابية في لندن أو الخاطف في بغداد. جينيف عبدو ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المكلفة بالاتصال في "تحالف الحضارات" بالأمم المتحدة ومؤلفة كتاب "حياة المسلمين في أميركا بعد الحادي عشر من سبتمبر" ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"