تنظر الصين في إجراء تعديلات تشريعية جديدة على "قانون الاستجابة للطوارئ"، يستهدف تخويل السلطات المحلية السيطرة على التقارير والمواد الصحفية التي تغطي حالات الطوارئ التي تمر بالبلاد من وقت لآخر. وربما تصل الغرامة المفروضة على نشر أخبار وتقارير ومواد صحيفة غير مصرح بها عن الطوارئ إلى نحو 12.500 ألف دولار أميركي. وقد استخدمت مسودة القانون عبارة "أي نشر من شأنه أن يسبب تداعيات وعواقب خطيرة". وكانت هذه التعديلات قد برزت إلى السطح لأول مرة في شهر يونيو من العام الجاري، إثر صدور سلسلة من التغطيات الصحفية لعدد من الكوارث، لا سيما تلك الحوادث والانفجارات التي حدثت في مناجم الفحم. والمعروف أن تلك الكوارث بالذات قد أحرجت المسؤولين الصينيين، بل وأدت إلى محاكمة بعضهم في بعض الأحيان. وكان القضاء الصيني قد انبرى-في إحدى حالاته النادرة جداً- لمحاكمة ثمانية عشر متهماً- بمن فيهم مسؤول حكومي رفيع المستوى- في شهر يونيو المنصرم، بتهمة رشوة كشفت عنها إحدى الصحف الصينية، كان ممكناً لها أن تسفر عن مصرع 121 عاملاً من عمال مناجم الفحم. ففي شهر أغسطس المنصرم نشرت صحيفة (China Business Times) تحقيقاً مذهلاً عن الفيضانات المدمرة التي ضربت أحد مناجم الفحم في محافظة جوانج دونج، مما حدا بصاحب المصنع إلى تقديم رشوة تبلغ قيمتها ملايين الدولارات بهدف إسكات المسؤولين وضمان استمرار المنجم في الإنتاج، على الرغم من انعدام معايير الأمن والسلامة فيه، بسبب الفيضانات التي دمرته. غير أن التعديلات القانونية الجديدة لم تشر من قريب أو بعيد، إلى معنى "تداعيات وعواقب خطيرة" الواردة فيها، فيما يتعلق بالتأثيرات التي يمكن أن يتركها العمل الصحفي على الحالات الطارئة والكوارث التي تحدث من حين لآخر. بل إن من رأي منتقدي هذه التشريعات أن من شأن هذا الغموض أن يترك الباب مفتوحاً أمام المسؤولين لخنق أي تغطية صحفية لأي حدث آخر، ربما ينعكس سلباً عليهم أو على الصين إجمالاً. والشاهد أن خنق حرية الصحافة يعد ظاهرة وتقليداً راسخاً في السياسات الصينية المعاصرة، حيث لا تقل الأقلام قدرة على الفتك من السيوف في وجهة نظر المسؤولين. بيد أن هؤلاء المسؤولين قلما عبروا بكل هذا الوضوح عن عدائهم لحرية العمل الصحفي، ولا سعوا إلى تقنين خنقهم لحريته في شكل تشريع قانوني واضح، مثل الذي نرى الآن في هذه التشريعات. ذلك هو رأي الصحفي الصيني "وانج فينج"، المقيم في العاصمة بكين، فهو يرى في هذه الخطوة تحركاً جديداً كل الجدة على حد تعبيره. هذا ولا يزال الخبراء والمراقبون يجهلون سر الدافع الحكومي وراء اتخاذ هذه الخطوة. غير أن من رأي الصحفيين أنفسهم أن هذه الخطوة إنما تعبر عن سباق ولهفة حكومية إلى احتواء صحافة بدأت حريتها وتنامى انعتاقها واستقلالها عن الجهاز الحكومي يشكلان مصدر قلق كبير لها. والشاهد أن النمو الاقتصادي قد ساعد في انعتاق الكثير من الصحفيين الصينيين من الاعتماد المالي على الحزب الشيوعي الحاكم. وبسبب حدة التنافس والضغوط التجارية التي تواجهها الصحف الصينية، فقد أصبح لزاماً عليها أن تجوّد قراءتها للرياح السياسية التي تهب من هنا ومن هناك. كما أصبح لزاماً عليها كذلك، التحايل على القيود المفروضة عليها حتى يتسنى لها نشر تقارير ومواد صحفية ذات معنى وحيوية. وعلى سبيل المثال، فقد تمكن بعض أفضل كبريات الصحف من استثمار الفجوة القائمة بين وقوع حدث إخباري ما، وتحرك السلطات الرسمية باتجاه إصدار أمر بوقف تغطيته صحفياً والكتابه عنه. تعليقاً على ذلك قال صحفي من صحيفة (Economic observer) وهي صحيفة تجارية تصدر في بكين، إنه من المفهوم أن تلجأ السلطات لمثل هذه الإجراءات الرامية إلى إسكات الصحافة وتكميم أفواهها. ومضى مؤكداً رأيه هذا بمقطع شعري مأثور كان قد استخدمه الزعيم ماو تسي تونغ شعاراً ثورياً له: "فمن الشرارة يندلع اللهيب". يذكر أن العام الماضي وحده شهد وقوع 3.341 حادثة من حوادث المناجم، وكذلك تنظيم نحو 78 ألف تظاهرة وفقاً للإحصاءات الرسمية الحكومية. غير أن مقص الرقابة أفلح في إسكات الصحافة عن تغطية معظم هذه الأحداث، مع ملاحظة نجاح بعضها في التحايل على الرقابة والقيود وتغطية ما استطاعته منها. وفي العام الماضي أثارت الصحف ثائرة المسؤولين في محافظة "جيلين" بسبب رفضهم الإدلاء بأي تصريحات عن انفجار مصنع أسفر عن إلقاء 100 طن من المواد الكيماوية السامة في نهر سونجوا. كما كشفت الصحف المحلية عن أكبر فضيحة شهدها التاريخ الصيني القريب، ألا وهي سعي بعض المسؤولين في بكين من التقليل من تأثيرات كارثة وباء "سارس" عام 2003. والشاهد الآن أنه أصبح في وسع الصحفيين الصينيين الحصول على المعلومة التي يريدونها بهذه الطريقة أو تلك، على حد قول الصحفي لي ليانج. وكان قد جرى منع هذا الصحفي من نشر التقرير الذي أعده عن حادث انفجار منجم حكومي في جينشانج قبل نحو عامين، لمدة ثلاثة أيام، إضافة إلى اعتقال صحفيين آخرين منعاً للتغطية نفسها، إلا أن الأخبار تسربت ووجدت طريقها إلى الرأي العام الصيني. والسؤال هو: هل تفلح سياسات خنق حرية العمل الصحفي هذه في حماية المسؤولين الصينيين وإبعادهم من المسؤولية والمحاسبة؟ جوش شين ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" في بكين ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"