جاءت اعترافات لاشين أبوشنب عضو مكتب إرشاد جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة في مصر، والتي أكد فيها أن هذه الجماعة السرية الأصولية تعمل في 75 دولة، وأن كل فرع من فروعها يسعى قدر جهده للوصول إلى السلطة بالقوة في بلده، وبالتنسيق مع "المرشد العام" وبقية فروع الجماعة- لتقدم في النهاية دليلاً آخر لمن لا زال في حاجة إلى دليل، على طبيعة المخاطر الجسيمة التي ما فتئت هذه الجماعة الانقلابية الأخطبوطية تشكلها، ليس بالنسبة للاستقرار الإقليمي فحسب، وإنما أيضاً وقبل كل شيء، بالنسبة للاستقرار والسلام الاجتماعي داخل كل دولة من هذه الدول على حدة. ووجه الخطر الأول هنا في طبيعة واتجاه ولاء عناصر الجماعة. ومثلما أن الولاء كل لا يتجزأ، فإن عناصر "الإخوان" قطعاً لا يخرجون عن هذه القاعدة، بل يؤكدونها، ويتصرفون بمقتضاها جهاراً نهاراً، ومع سبق الإصرار والترصد. فولاؤهم الأول والأخير ليس للوطن، ولا للدولة التي يحملون جنسيتها، وإنما هو لـ"الجماعة" وللمرشد العام. و"من شابَه مرشده فما ظلم"! أليس مرشدهم العام هو من تربَّع عبر وسائل الإعلام وقال "طـز" في وطنه؟ ولا تقف المسألة عند هذا الحد بطبيعة الحال. بل إن من طبيعة الجماعات الانقلابية السرية عموماً أن تكون لها أجهزة تنظيمية جهنمية، تعمل على التعبئة لها، والبطش باسمها أو تحت أسماء أخرى مستعارة، وبعد ذلك تعمل على استبعاد أي لاعب سياسي آخر إلى جانبها. واللاعب السياسي الأبرز عادة في المجتمع هو الدولة، ولذا ينصب الجهد الرئيسي من دعاية "الإخوان" وتحريضهم، في كل الأحوال، ضد الدولة. ويسعون في النهاية، وبطريقتهم الإقصائية، إلى تحويل أنفسهم، وأجهزتهم السرية، إن لم يكن إلى "دولة أمر واقع" داخل الدولة، فعلى الأقل إلى سوس ينخر في بناء وسلامة وكفاءة الدولة القائمة التي ينشطون فيها. ولا فرق هنا بين "الإخوان" وتنظيم "القاعدة" وجماعة "طالبان"، فالخطر واحد، والممارسات تكاد تكون متطابقة. ثم، أليست "القاعدة" و"طالبان" وغيرهما من جماعات الإرهاب والعنف الطليق كلها "تجليات" ونتاجات، خرجت جميعاً من تحت عباءة "الإخوان"، الحركة الأم لكل جماعات العنف الإسلاموي في تاريخ العرب والمسلمين المعاصر؟ وهل ثمة فرق بين "الإخوان" و"القاعدة" حتى في الحالات التي دخلوا فيها منتحِلين "لباس التقوى" والتدين المزعوم، ودخلوا في برلمانات أكثر من دولة عربية، ولكنَّ النتيجة كانت معروفة، وليس عناَّ ببعيد "مناحة الزرقاوي" المشؤومة التي باتت أشهر من نار على علَم. وبعبارة أوضح، فإن من أساسيات فكر وممارسة "الإخوان" أن السعي الانقلابي إلى السلطة لا يمكن أن يتحقق إلا على جثة الوطن القائم بما فيه، وبمن فيه. فهم لا يعترفون بوطن، ولا بحدود، ولا بسلطة للقانون والأخلاق. يساعدهم في ذلك الفهم المشوش للدين المعشش في أدبياتهم، وسهولة امتطاء صهوة موجة الغوغائية والتحريض في عصر السماوات المفتوحة، وأيضاً يساعدهم أن الهدم عموماً أسهل بكثير من البناء، وأن التخريب من تحت الأرض أسهل بكثير من الإقلاع بالأوطان من وهْدة التخلف، وتكريس واقع التنمية والازدهار والاستقرار فيها. والأدهى في ممارسات "الإخوان" كذلك أن كثيراً من المنتمين إليهم يعتقدون أن الهالة والهرج والبهرج الذي يلامس حدود "عبادة الشخص"، الذي تحيط به "الجماعة" أعضاءها في كواليسها ودهاليزها الخاصة، يمكن أن يتحول إلى نوع من "الحقائق" أو "الأمر الواقع" في نظر المجتمع ككل شاء أم أبى. وهذه سُنة –أو بالأحرى بِدعة- من بدع الإيديولوجيين -والإخوان نموذج صفيق سيئ عليهم- فيختلط في أذهانهم "الحلم الزائف" بالتوق الدفين، بأدبيات "الجماعة"، ثم لا يفيقون من "كوابيس اليقظة" هذه إلا عندما يرتطمون بالواقع كما هو، وكما ينبغي أن يكون. وفي خضم نداءات الغريزة وشهوات النفس وأطماع السعي المحموم للاستيلاء على السلطة، يخيل إلى "الإخوان" أن أعضاء "الجماعة" وقيادييها ورموزها أصبحوا بمجرد "انتمائهم" و"مبايعتهم" في مرتبة فوق البشر، فيحيطونهم بنوع من "المعصومية" و"الطهرانية" الزائفة، ويصبحون وكأنهم بشر غير عاديين. وحتى لو اقترف الواحد منهم آثام الدنيا جميعاً، وتخبط في وهاد الانتهازية، وسعى في الشهوات والجرائم حتى الأخلاقية منها والجنسية، فإن "حصانته الإخوانية" ستحوله من مجرد فاسق أسلم قياده لشهوات النفس الرخيصة إلى "بطل" تقام لأجله المناحات وتستصرخ في سبيله المنظمات الدولية بزعم انتهاك الحريات المدنية...! وليعلمْ من يتعرض له أنه سيكون على موعد مع زوبعة غوغائية "إخوانية" لا أول لها ولا آخر، على مقاس "الإخوان" أي عابرة للقارات وعابرة للأوطان، فجهاز "الجماعة" الإعلامي والدعائي التعبوي الأخطبوطي موجود، وجاهز لمثل هذه الأحوال، و"الجماعة" نفسها مستعدة لإغراق الحقائق والوقائع في بحر من القيل والقال، هذا بانتظار أن تغرق كل من هو غير "إخواني" في بحر من الدماء.