تقدمت ثلاث فتيات لوظيفة مراقب المسافرين في مطار نيويورك. وفي اختبار قوة الملاحظة لديهن عُرضت عليهن بسرعة خاطفة صورة شخص، وسألهن الضابط الممتحن: ما العلامة المميزة لهذا الشخص؟ أجابت الأولى: له عين واحدة. قال الضابط: طبعاً فهذه صورته الجانبية. قالت الثانية: له أذن واحدة. قال الضابط باستياء: قلتُ إنها صورته الجانبية! قالت الثالثة: يرتدي عدسات لاصقة. سأل الضابط مندهشاً: صحيح، هذه صورة موظف عندنا، لكن لا أحد سواي يعرف أنه يستخدم عدسات لاصقة.. فكيف عرفتِ أنتِ ذلك؟! أجابت: إذا لم تكن له سوى أذن واحدة وعين واحدة فهو بالتأكيد لا يستطيع ارتداء نظارات. هذه النكتة تصوِّر سخف نظام فرز المسافرين، الذي تُعلن لندن وواشنطن عن استخدامه لتشخيص العرب والمسلمين في المطارات. وليس المهم البحث عن المهم وراء سلوك الإدارتين الأميركية والبريطانية، بل عن السخف فقط، لأنه ليس هناك غير ذلك عند إدارة شلّت حركة الطيران العالمية بدعوى وجود مؤامرة لتفجير الطائرات بواسطة "قنابل سائلة". ولا أصدِّق ما يقال عن خطط فائقة الذكاء وراء التصرفات الخرقاء لواشنطن ولندن. كما لا أصدق معظم التقارير في الصحافة الغربية حول الحماية من خطر "القنابل السائلة". ولا تستحق الذكر سوى نصيحة "علمية" جدية تماماً، على رغم هزلها الشديد قد نختتم بها هذه المقالة، التي نبدؤها بمعلومة معروفة تقول "لم يعثر الألمان على إرهابي واحد باستخدام طريقة فرز الأشخاص لمسح ملايين الناس". وردت المعلومة في افتتاحية صحيفة "الغارديان" اللندنية، التي حذرت من "الفرز الإثني" للمسلمين والعرب، لأنه "ليس فقط ذا مردود عكسي واستفزازي، بل أيضاً غير فعّال بشكل خطير". وقالت الصحيفة إن استخدام المؤشر الإثني كدّالة على الإرهاب قد يعمي سلطات الأمن عن رؤية الخطر، الذي يمثله أي شخص خارج التشخيص المحدد. ونبّهت الصحيفة إلى أن فرز المسلمين وتفتيشهم ينفِّرهم من السلطات، التي تحتاج إلى مساعدتهم بالذات. ويثير تعليق "الغارديان" الكثير من البهجة، التي يمكن الحصول عليها من معلومات لا نفع فيها، حسب الفيلسوف البريطاني برتراند راسل. فتشخيص العرب والمسلمين وفرزهم في المطارات جارٍ منذ تفجيرات الأنفاق في يوليو من العام الماضي، باعتراف مصدر بريطاني مسؤول. وقد يكون الجديد في الموضوع استخدام نظام رصد سلوك المسافرين في الولايات المتحدة. يرصد النظام تعابير وجوه المسافرين وحركة أجسادهم وعيونهم، والتغيرات في النغمة الصوتية وغيرها من دلائل التوتر والارتباك. وفي حال الشك بالشخص يعمد ضابط المراقبة إلى الاقتراب منه، وعقد حديث عفوي معه، كسؤاله عما شاهد في المدينة. مرَّ على هذا النظام نحو 7 ملايين شخص خلال 9 شهور من استخدامه في مطار "دالاس"، وتم فرز بضع مئات لفحص مُركَّز، وتحويل 50 إلى البوليس لاستجوابهم، وأدين ستة أشخاص بتهم لا علاقة لها بالإرهاب. ومن بين الأشخاص، الذين رُصد سلوكهم المثير للشكوك واستجوابهم "كينغ داوننغ"، المنسق العام لـ"اتحاد الحريات المدنية ضد نظام التشخيص العنصري". وأقام "داوننغ"، وهو أسود البشرة دعوى ضد أمن المطار، لاستخدامهم نظام فرز الأشخاص بشكل تمييزي. وفي بريطانيا "لكل شيء حكمة، إذا أمكن العثور على الشيء " -كما يقول الكاتب الساخر "لويس كارول"، مؤلف الرواية الشهيرة "ألِيس في بلاد العجائب". فالإعلان عن "القنبلة السائلة" والتحذير من مؤامرة "وشيكة الوقوع" تزامن مع تصريح وزير الداخلية أن السلطات اعتقلت جميع المتهمين الرئيسيين. يعني هذا أن الإجراءات المتشددة، التي فرضت على المطارات لم تكن لها ضرورة، ومحض هراء ادعاء السلطات أن الإعلان عن المؤامرة قد يدفع أشخاصاً منخرطين في مؤامرات أخرى للإسراع بتنفيذ مخططاتهم. ولا يعني هذا إنكار احتمال وجود مغامرات خرقاء لشباب باكستانيين بريطانيين معظمهم من أصول ريفية، يعانون من ازدواجية الانتماء إلى بلد مسؤول عن مجازر ضد أشقائهم المسلمين. لكن المشكلة أن مصدر المعلومات عن المؤامرة هي باكستان، وهذه سادس مؤامرة إرهابية كبرى تنطلق منها خلال الثلاث السنوات الأخيرة، ما يدفع بعض المراقبين الغربيين إلى اعتبار إسلام آباد "سلاحاً ذا حدين في موضوع الإرهاب"، حسب صحيفة "نيويورك تايمز". وقد عبَّرت عن الشكوك بالمؤامرة صحف باكستانية رئيسية، كصحيفة "ديلي تايمز" التي اعتبرت المؤامرة مُلفقة بهدف تغطية تورط واشنطن ولندن في الحرب المروعة في لبنان والعراق. وذكرت الصحيفة أن ثنائي بوش وبلير، الذي يواجه المتاعب في الداخل، "يحتاج إلى شيء ما ضخم لتبرير سياساته". ولا يبدو الإعلان أول أمس في لندن عن توجيه الاتهام ضد أحد عشر شخصاً قرار اتهام حقيقياً، بل "بيان علاقات عامة"، حسب المعلق السياسي لتلفزيون "بي بي سي". والبطء السريع، على الطريقة الإنجليزية في توجيه الاتهام بعد 11 يوماً من اعتقال المتهمين سببه، باعتقادي، عدم العثور على ما يستحق السرعة، وضرورة الإسراع بما لا يحتمل التأخير، لإعادة الحياة للمطارات البريطانية. ففي الإعلان عن الاتهام ذكر رئيس دائرة الإرهاب في الشرطة البريطانية "سكوتلانديارد" أن التحقيق قد يستغرق شهوراً، ما يعني، حسب "بي بي سي" أن المحاكمات قد تستغرق سنوات حتى نعرف الحقيقة عن مؤامرة "القنابل السائلة". والحقيقة، التي يعرفها مدرسو الكيمياء أن تواليت الطائرات ليست مختبراً ملائماً لمزج مادة فوق أكسيد الهيدروجين والأسيتون مع حمض الكبريتيك لتكوين المادة الانفجارية TATP. لم تتطرق لذلك المجلة العلمية الأولى في بريطانيا "نيوساينتست" التي كرست افتتاحيتها لموضوع الحماية من "القنبلة السائلة"، ونشرت تقريراً خاصاً عن أحدث التكنولوجيات لرصد المواد الكيمياوية، التي تُصنع منها القنبلة, وكرَّست تقريراً آخر لموضوع الآثار النفسية لمشاهدة أخبار الهجمات الإرهابية في التلفزيون، اختتمته بالنصيحة التالية: أغلقْ التلفزيون! النصيحة العلمية الوحيدة، التي تستحق الذكر جاءت في مقالة هزلية للكاتب البريطاني "توماس غرين" منشورة في الإنترنت. النصيحة موجهة للشباب الباكستانيين المتآمرين، يوصيهم فيها بالسفر بالدرجة الأولى، وطلب قنينة "شمبانيا" ومعها وعاء ماء مثلج. ونبَّههم إلى أخذ معداتهم إلى التواليت بحذر شديد حال ما تحلِّق الطائرة فوق المحيط الأطلسي، وأن يفعلوا ذلك على دفعات لتجنب إثارة الانتباه. و"عند وضع العُدّة في مكانها ضع الوعاء، الذي يحتوي على مزيج فوق أكسيد الهيدروجين والأسيتون داخل حوض الماء المثلج في وعاء الشمبانيا، وابدأ بإضافة الحمض قطرة فقطرة، فيما تقوم بخلط المزيج باستمرار. وراقب حرارة التفاعل بعناية، فالمزيج قد يصبح ساخناً ولا تحصل إلاّ على انفجار ضعيف، وإذا اشتدت جداً سخونة المزيج فيحتمل أن تحصل على انفجار مبكر كافٍ لقتلك أنت فقط. وبعد بضع ساعات ستحصل على المادة الانفجارية، إذا نجوت بمعجزة من الاختناق بالأبخرة المتصاعدة عن التفاعل، وكل ما عليك الآن هو تجفيفها فترة ساعة أو ساعتين".