على الرغم من أن فنزويلا قد دأبت منذ فترة طويلة على تنمية علاقات طيبة مع حكومات الشرق الأوسط، التي كانت تشاركها اهتماماتها في المحافظة على ارتفاع أسعار النفط، إلا أن قيام كاراكاس بتوثيق علاقاتها مع إيران في الفترة الأخيرة، ينهض كدليل رئيسي على رغبتها في القيام بجهود لبناء تحالف للحد من النفوذ الأميركي في الدول النامية. وأثناء الزيارة التي قام بها الرئيس الفنزويلي "هوجو شافيز" ووزير نفطه "رافائيل راميريس" إلى إيران الشهر الماضي، وافقت الدولتان على إنشاء مشروعات مشتركة لإنتاج 12 منتجاً مختلفاً تشمل النفط الخام والأدوية. وفي إشارة أخرى على أن علاقاتهما قد اتخذت بعداً جديداً، بدأت الدولتان تتحدثان بلغة أكثر تقارباً من ذي قبل عند نقدهما لإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. وتعزيز الروابط بين الدولتين جعل إيران هي حليف فنزويلا الأوثق خارج أميركا اللاتينية، ومنح المزيد من التأثير لجهود الرئيس شافيز داخل منظمة "الأوبك" الرامية لزيادة عوائد النفط. علاوة على ذلك نجد أن فنزويلا قد أصبحت أعلى المدافعين عن البرنامج النووي الإيراني صوتاً، في وقت تشعر فيه إيران بعزلة متزايدة على الساحة الدولية. وعلى الرغم من أن فنزويلا تحتفظ بعلاقات اقتصادية وثيقة مع الولايات المتحدة، إلا أن العلاقات بينهما توترت بسبب التراشق اللفظي المستمر بين إدارة بوش والرئيس شافيز. علاوة على ذلك أظهر شافيز مؤخراً رغبة في تقوية علاقته مع سوريا حيث أرسل نائب وزير خارجيته "ألسيديس روندون" إلى دمشق الأسبوع الماضي. كما أنه من المقرر أن يصل هو نفسه إلى الصين الثلاثاء في زيارة رسمية تستغرق ستة أيام، تهدف إلى إيجاد طرق لشحن المزيد من النفط الفنزويلي إلى المصافي الصينية، كما ينوي أيضاً أن يقوم بزيارة إلى ماليزيا وأنجولا. والآن ومع زيادة الاستثمارات الإيرانية في فنزويلا، فإن ما بدا في البداية كخيط رفيع من المشروعات، قد تطور الآن ليصبح نموذجاً شديد الوضوح لتحرك فنزويلا لإعادة صياغة سياستها الخارجية، والنأي بنفسها عن الولايات المتحدة الأميركية، من خلال التواصل مع الدول التي تقع على هامش النفوذ الأميركي مثل روسيا البيضاء، وزيمبابوي وكوبا. وتعزيز العلاقات مع إيران أدى إلى المزيد من الاحتكاكات مع الولايات المتحدة. ففي شهادته أمام الكونجرس الشهر الماضي قال "فرانك إيربانسيك جي آر"، نائب المنسق الرئيسي لمقاومة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية إن علاقة فنزويلا الوثيقة مع إيران وكوبا، والتي شملت المشاركة في عمليات استخبارية مشتركة، تقدم دليلاً على الافتقار شبه الكامل للتعاون مع الجهود الأميركية لمقاومة الإرهاب. وقد أقدمت الولايات المتحدة على خطوة استفزازية جديدة ضد شافيز، وذلك عندما قامت الأسبوع الماضي بتعيين "باتريك ماهر" الموظف السابق الذي أمضى مدة طويلة في خدمة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية للإشراف على عمليات جمع المعلومات الاستخباراتية عن فنزويلا وكوبا. والنهج الأكثر استفزازاً وعدائية الذي تنتهجه الولايات المتحدة في التعامل مع فنزويلا، أدى إلى العديد من ردود الفعل الحادة من المسؤولين في هذه الدولة، الذين يرون أن الولايات المتحدة تقوم بهذه الاستفزازات تمهيداً للقيام بعمل عسكري ضد بلادهم في إطار خطة للسيطرة على مصادر الطاقة فيها باعتبارها أكبر دولة تمتلك احتياطياً للنفط خارج منطقة الشرق الأوسط. يذكر أن فنزويلا قد ساعدت إيران في مجال تسعير صادراتها النفطية بـ"اليورو" بدلاً من الدولار، في خطوة تهدف إلى إضعاف نفوذ بنوك الاستثمارات الأميركية، وحماية أرصدتها المالية، وخلق بورصة نفطية في إيران للتعامل في مثل هذه العقود. وحول هذه النقطة يقول السيد "ألبيرتو جاريدو" المؤرخ الذي يقوم في الوقت الراهن بكتابة كتاب عن علاقات فنزويلا بالدول الإسلامية: "من الناحية الجيوبوليتيكية فإن أهم جبهة لشافيز في العالم هي إيران... فتحالفه الاستراتيجي مع هذه الدولة يعتبر –على حد تعبيره هو وتعبير مستشاريه- وسيلة لمواجهة القوة الأميركية". والعلاقات القوية بين فنزويلا والعالم الإسلامي ليست بالشيء الجديد إذ ترجع إلى إنشاء منظمة "الأوبك" في الستينيات، أما التقارب مع إيران، فقد بدأ في منتصف التسعينيات بفضل "نوربيترو سيرييسول" عالم الاجتماع الأرجنتيني المعروف بآرائه المعادية للسامية، والذي عمل لفترة مستشاراً لشافيز قبل أن يتوفى عام 2003. وبعد انتخاب شافيز رئيساً لفنزويلا عام 1998 فإنه جعل العلاقات مع إيران أولوية من أولوياته في إطار محاولته لدفع منظمة "أوبك" لرفع أسعار النفط. بيد أن التصريحات الأخيرة التي أدلى بها شافيز حول العالم الإسلامي وإيران تثير قلق البعض في فنزويلا، الذين يرون شافيز يقترب أكثر من اللازم من القادة المسلمين في حين أنه لا يوجد سوى القليل من الأشياء المشتركة بين نظمهم وبين النظام السياسي الفنزويلي القائم على التعددية. يذكر أيضاً أن شافيز أدلى عندما كان في زيارة لقطر، بتصريح وصف فيه ما تقوم به إسرائيل من عمليات عسكرية في لبنان بأنه "هولوكوست جديد" ضد هذا البلد، وأنها تنفذ تلك العمليات بأسلوب هتلري وبطريقة فاشية. ويقول المحللون السياسيون في كاراكاس إن التعليقات الأخيرة ضد إسرائيل والخطوات الأخيرة التي قام بها شافيز مثل تعيين "نيكولاس مادورو"، الذي كان قد زار إيران في فبراير لإظهار دعم بلاده الصريح لبرنامجها النووي، تعد دليلاً على رغبة فنزويلا في إضفاء المزيد من الراديكالية على سياستها الخارجية، وجعل علاقاتها مع إيران نقطة محورية في هذه السياسة. سايمون روميرو مراسل "نيويورك تايمز" في فنزويلا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"