في الوقت الذي اجتمع فيه وزراء الخارجية، قبل بضعة أيام، في بيروت لمناقشة شكل قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، تستعد فرنسا للعب أكبر دور لها منذ عدة عقود على ساحة الشرق الأوسط باعتبارها العمود الفقري للقوة الدولية المرتقبة في لبنان. الواقع أنه لطالما شارك الجيش الفرنسي في مهمات بأفريقيا وأفغانستان والبوسنة؛ كما شارك في قوة المراقبة التابعة للأمم المتحدة، التي يقودها اليوم جنرال من الجيش الفرنسي، والتي توجد بجنوب لبنان منذ 1978. غير أن انتشاره المرتقب، الذي يرمي إلى دعم وقف إطلاق النار وضمان تطبيق حظر الأسلحة بجنوب لبنان، يمثل تحولاً في علاقات فرنسا مع العالم العربي، ومع الولايات المتحدة، منافسها القديم على النفوذ بالمنطقة. ويقول غيوم بارمونتيي، المسؤول السابق بوزارة الدفاع الفرنسية الذي يعمل حالياً مع "المعهد الفرنسي للعلاقات الخارجية" بباريس، لئن كانت ثمة أي دروس خرجت بها فرنسا من تجاربها السابقة كقوة لحفظ السلام في أماكن أخرى من العالم، فهي ضرورة الإلحاح على قواعد واضحة للمشاركة تسمح لجنودها بالانتقال إلى الهجوم وإطلاق نار أسلحتهم، عند الضرورة. كما ستحتاج فرنسا أيضاً إلى التزام "صريح أو غير صريح" من "حزب الله" بالتعاون مع القوات الأممية. ويضيف "بارمونتيي" قائلاً "نريد تلافي ما واجهناه عندما كنا في البوسنة قبل اتفاقية دايتون، حيث كانت القوات مطالبة بصنع السلام من دون الوسائل المناسبة"، مضيفاً "لا يمكن قبول وضعية متمثلة في أنه لا يمكنك الرد إلا حينما تتعرض للهجوم، ولا يمكنك التدخل عندما تدور الأمور أمام أعينك. إن ذلك ينذر بكارثة حقيقية من مثل ما حدث في سريبرينيتشا". الجدير بالذكر هنا أن قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بإنهاء الاقتتال بين إسرائيل و"حزب الله"، ينص على أن تساعد القوة متعددة الجنسيات الجيش اللبناني على بسط سيطرته على جنوب لبنان، وذلك بموازاة مع انسحاب القوات الإسرائيلية وقوات "حزب الله". كما يشمل القرار حظر الأسلحة، وهي مهمة قد تعني نشر قوات حفظ السلام بمحاذاة الحدود السورية-اللبنانية لمنع وصول شحنات الأسلحة من سوريا إلى "حزب الله". وبينما ما زالت تفاصيل وقواعد المشاركة موضوع بحث ومناقشة بالأمم المتحدة، فقد طُلب من فرنسا أن ترسل 3500 جندي على وجه السرعة إلى لبنان، حيث دخل وقف صعب لإطلاق النار حيز التنفيذ يوم الاثنين الماضي. هذا ومن المتوقع أن يصل عدد القوة الأممية إلى 15000 رجل. علما بأن فرنسا لم ترسل حتى الآن سوى 50 جندياً من أصل 200 كانت باريس قد قررت ارسالهم إلى بلاد الأرز. وحتى اليوم، أعلنت إيطاليا وتركيا أنهما مستعدتان للمساهمة بقوات. أما وزير الخارجية الفرنسي "فيليب دوست بلازي"، فلم يوضح عدد القوات التي تعتزم فرنسا إرسالها، غير أنه قال إنه إذا كانت فرنسا مستعدة للعب دور مهم في القوة، فإنه من الضروري أن تشارك دول عديدة أخرى فيها أيضاً. ومن جهتها، أعلنت ألمانيا عن استعدادها للمساهمة في توفير الأمن على الحدود مع سوريا. أما بخصوص أسلحة "حزب الله"، فقد اعتبر "دوست بلازي" أن الأسلحة موضوع من اختصاص الحكومة اللبنانية. وأضاف قائلاً إن تفويض القوة الأممية "يهدف إلى مساعدة الجيش اللبناني على الانتشار، والمساهمة في عودة النازحين إلى ديارهم، ونقل المساعدات الإنسانية". الواقع أنه نادراً ما اعتبرت فرنسا وسيطاً محايداً في الشرق الأوسط من قبل جميع الأطراف، ذلك أن علاقاتها مع إسرائيل لطالما مرت بفترات جمود. كما أنه إذا كانت باريس قد عملت على نسج علاقات متينة مع البلدان العربية، فكثيراً ما ينظر إليها كراعي الأقلية المسيحية العربية، وخصوصاً في لبنان. إلى ذلك، يرى عدد من المحللين أن علاقات فرنسا مع البلدان الإفريقية لم تخل بدورها من تعقيدات ومشاكل. بيد أن مهمات قوات حفظ السلام الفرنسية في النزاعات الأفريقية الأخيرة اعتبرت ناجحة وموفقة عموما. وفي هذا السياق، يقول بارمونتيي "إنها (القوات الفرنسية) معتادة على المشاركة في عدد من مهمات حفظ السلام، بل وفي عمليات صعبة مثل ساحل العاج". إلى عهد قريب، ربما كانت علاقات فرنسا مع سوريا، والتي كانت تتميز بالدفء، ستطرح مشكلة في هذا الباب. غير أن الرئيس شيراك، الذي يعد الزعيم الغربي الوحيد الذي حضر جنازة الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، قطع كل الاتصالات مع دمشق منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري عام 2004، والذي كان صديقاً لشيراك وزعيم حركة مناوئة لسوريا. ولعل أكبر وأعنف مهمة لفرنسا هي تلك التي كانت في ساحل العاج، حيث أرسلت قوات فرنسية تحت تفويض من الأمم المتحدة بهدف فصل المتمردين والقوات الحكومية. غير أن سلاح الجو التابع للجيش الحكومي قتل ثمانية جنود فرنسيين قبل نحو عامين في هجوم بالقرب من مواقع المتمردين. فكان رد فرنسا أن دمرت سلاح الجو. وخلال أعمال شغب اندلعت لاحقاً، عمدت القوات الفرنسية إلى إطلاق النار على جموع المتظاهرين، فقتلت ما لا يقل عن 60 شخصاً. وفي هذا الإطار، يقول "ريتشارد ريف"، الخبير من مؤسسة "كاتام هاوس" البحثية بلندن، "لقد دمر ذلك سمعتهم في إفريقيا". والواقع أنه إذا نُظر إلى فرنسا في لبنان باعتبارها قوة محتلة، فمن غير المستبعد أن تواجه قواتها أخطاراً مماثلة. ومما يذكر في هذا السياق أنه عندما أرسلت فرنسا قوة كبيرة إلى لبنان عام 1983، قتل هجوم انتحاري استهدف ثكنات قوة لحفظ السلام متعددة الجنسيات 58 جندياً فرنسياً، إضافة إلى 241 جنديا أميركياً من قوات المارينز. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ سوزان ساش مراسلة "كريستيان ساينس مونيتور" في باريس ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"