كان الرئيس بوش قاطعاً في قوله إن القوات الأميركية لن تترك العراق إلا عندما تسمح الظروف هناك بذلك. ونهج بوش القائم على مواصلة المهمة حتى النهاية، يركز على حاجة الولايات المتحدة لتحقيق تقدم في العراق، كما أنه يرسل في الوقت ذاته إشارات قوية لحلفائنا العراقيين مفادها أن التزامنا هناك هو التزام مستمر، كما يرسل أيضاً رسالة أخرى إلى أعدائنا من العراقيين والجهاديين تقول لهم "ما تقوموا به لن يروعنا، ولن يدفعنا لانسحاب متعجل." إن استراتيجية "الخروج" من العراق بناء على تطور الأحوال، كان لها بعض المعنى في بداية التورط الأميركي في العراق، غير أنها في حاجة الآن، بسبب التدهور في الأوضاع الأمنية والعنف الطائفي المتصاعد بين الشيعة والسنة، إلى الاستبدال باستراتيجية "التزام" بعدم المغادرة قبل توافر الظروف التي تسمح بذلك. وهذه الاستراتيجية الجديدة ستجعل استمرار وجودنا العسكري في المناطق غير الكردية في العراق، متوقفاً على قيام حكومته بالشروع في اتخاذ الخطوات التي لا غنى عنها لتحقيق النجاح في هذا البلد، والتي تأخرت طويلاً عن موعدها. وهذه الخطوات ستكون مماثلة لما طلبته الولايات المتحدة من حكومة السلفادور في عقد الثمانينيات، وذلك عندما اشترطت على حكومة تلك الدولة تحقيق نجاحات ملموسة في تفكيك فرق الموت العاملة هناك والمدعومة من قبلها، وكذلك تحقيق تقدم في مجال احترام حقوق الإنسان بشكل عام، إذا ما أرادت للمساعدات الأميركية لها أن تستمر. واتباع مثل هذا النهج مع الحكومة العراقية الآن سيعجل بتحقيق الإصلاحات المطلوبة، وسيوفر المرونة الكافية التي يحتاجها رئيس الوزراء العراقي لتسيير دولاب العمل الحكومي. ومثل هذا النهج يعترف أيضاً بأن القرارات السياسية المهمة المطلوبة في العراق، يجب أن تتخذ بواسطة العراقيين فقط وليس بواسطة أحد آخر، كما أنه يعترف أيضاً بالتغييرات التي طرأت على قواعد اللعبة السياسية الخاصة بالعراق داخل الولايات المتحدة. يعتقد معظم الأميركيين في الوقت الراهن أننا نخسر في العراق، أو أننا نحرث البحر هناك، وهو اعتقاد لا يجافي الحقيقة كثيراً. فنحن إذا ما أردنا أن نجعل من تنفيذ المهمة التي شرعنا في الحرب من أجلها أمراً قابلا للاستمرار والتبرير من الناحية السياسية داخل الولايات المتحدة، فيجب أن نوضح، وبشكل لا لبس فيه، أن التزامنا بتنفيذ هذه المهمة إلى نهايتها المرغوبة هو التزام مفتوح، وليس مرتبطاً بوقت محدد، وأنه يعتمد على تنفيذ مجموعة من الإصلاحات الجوهرية التي بدونها سيتواصل النزيف البشري والمادي الأميركي على أرض العراق دون طائل. في الوقت الراهن يواجه العراق تمرداً يقوده السُنة، وهو تمرد يتطور تدريجياً، ويهدد بالتحول إلى حرب أهلية. ولتحقيق أي قدر من النجاح في هزيمة التمرد، فإن رئيس الوزراء العراقي الشيعي نوري المالكي، يحتاج في المقام الأول إلى تأكيد شرعيته في عيون السُنة، من خلال منحهم حصة في المشاركة في الحكومة وتحقيق نجاحها، خصوصاً وأنهم لم يعودوا يهيمنون عليها مثلما كان الأمر في السابق، مما سيؤدي- إذا ما تم- إلى حرمان قوات التمرد من التأييد الذي تحصل عليه من 20 في المئة من سكان العراق. ولتحقيق أي نجاح في هذا الصدد، فإن الحكومة العراقية مطالبة الآن بالقضاء على فرق الموت الشيعية التي أدت إلى تفاقم الأوضاع، والتي تهدد بإشعال نار صراع طائفي شامل. ولكي تنجح في ذلك، عليها أن تحقق تقدماً كبيراً خلال الشهور القليلة القادمة في المجالات التالية: -تبني سلسلة من التعديلات الدستورية، والتشريعات المرتبطة بها، لمعالجة مخاوف السُنة، على أن تكون تلك التعديلات والتشريعات مقبولة في الوقت ذاته من قبل الشيعة والأكراد، وأن تركز في المقام الأول على إيجاد الحلول لعدد من الموضوعات الرئيسية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر موضوع الفيدرالية، والتوزيع العادل لثروة العراق المستقبلية من النفط. -كبح جماح الميليشيات الشيعية. وهو التحدي الأكبر الذي سيواجه نوري المالكي، الذي يحتاج للدعم من زعماء الأحزاب التي سيسعى لكبح جماح ميليشياتها. - استحداث، وتنفيذ، خطة لإعادة تأهيل "البعثيين" من المستويات الدنيا، ممن أرغموا خلال عهد صدام على الانضمام للحزب، ولكنهم لم يكونوا متورطين بشكل مباشر في الجرائم التي ارتكبها، وذلك من أجل إعادة استيعابهم مجددا في الحياة السياسية والاقتصادية في العراق. -تأسيس وزارات حكومية عاملة وقادرة على تقديم الخدمات الأساسية. هذه هي تقريباً الخطوات التي وافقت عليها كل من حكومة المالكي وإدارة بوش بالفعل. والتي سيكون استمرار تواجدنا العسكري في المناطق غير الكردية في العراق مرهوناً بتنفيذها خلال فترة معقولة. الافتقار إلى الوحدة الوطنية في أوقات الحروب وصفة مؤكدة للفشل. أما الاعتراف بحتمية النجاح في العراق، مع الإدراك في نفس الوقت أن النجاح غير ممكن التحقيق، بدون الإجراءات التي لا يمكن لأي أحد سوى الحكومة العراقية اتخاذها، مع القيام في نفس الوقت بتبني استراتيجية التزام بعدم المغادرة قبل توافر الظروف المناسبة. فذلك فقط هو الذي يحمل في طياته الإمكانية اللازمة ليس فقط لإغراء الحكومة العراقية على القيام بما يتعين عليها القيام به، ولكن اللازمة أيضاً لتوحيد الشعب الأميركي حول سياسة ذات جذور أكثر رسوخاً في حقائق التربة العراقية والأميركية على حد سواء. ستيفن جيه سولارز عضو "ديمقراطي" سابق بمجلس النواب الأميركي عن ولاية نيويورك. مايكل أو هانلون زميل رئيسي بمعهد بروكنجز ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"