قد لا تكون هناك توقعات اقتصادية متضاربة ومتباينة بدرجة تفوق ما يطرحه الكثير من الخبراء والمكاتب الاستشارية حول اتجاهات إيجارات الشقق في مدن الدولة خلال الفترة المقبلة، البعض يؤكد أن هناك ارتفاعاً بنسبة بين 30 و40% خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري في إيجارات الشقق السكنية بمدينة أبوظبي، ويتوقعون -بناء على المعطيات التي يطرحونها- استمرار منحنى الزيادة في القيمة الإيجارية للشقق السكنية خلال العامين المقبلين، بسبب تزايد الطلب عن العرض. البعض الآخر يرى أن من الصعب أن تواصل الإيجارات الارتفاع بالوتيرة نفسها الحالية، سواء بسبب بلوغ الذروة، أو تحت وطأة عجز الشريحة الأكبر من المستأجرين على مجاراة هذه الزيادات، في ظل ثبات المخصصات المالية للإسكان للموظفين في القطاع الحكومي. الجهات الرسمية المعنية من جانبها تراقب هذه التفاعلات من دون حراك، ونذكر أن هناك تقديرات رسمية صدرت العام الماضي، تشير إلى انفراج وشيك في الأزمة المفتعلة حول الشقق السكنية في العاصمة، واستندت هذه التقديرات وقتذاك إلى أرقام حول البنايات الجديدة التي انتهى العمل فيها ومعدلات الإخلاء التقديرية، فضلاً عن معدلات الطلب، ولكن هذه التقديرات لم تبصر النور، بل إن منحنى الأسعار اتجه إلى الارتفاع مع بداية توقع حدوث الانفراج الموعود! وهناك شكاوى واضحة من ارتفاع الإيجارات والزيادات المتواصلة في الإيجارات، مع تجاهل القواعد المنظمة في هذا الشأن، وهناك تحالف معلن يجمع بين الوسطاء ووكلاء البنايات و"النواطير"، للاستفادة من هذه الأوضاع والنفخ في أجواء "الأزمة" وتأجيجها وصبّ المزيد من الزيت عليها، لتحقيق أقصى مكاسب مادية ممكنة، في ظل غياب رسمي في السيطرة على هذه السوق، بدعوى ترك الحرية لآليات السوق ممثلة في قوى العرض والطلب، التي ثبت بالفعل أن هناك أياديَ خفيّة قادرة على تعطيلها والتحكم بها عبر سلاسل لا تنتهي من الحيل والألاعيب على المستأجرين. "سوق تأجير الشقق" تنطوي على مكاسب مادية هائلة لهذه الشريحة من المستفيدين، ولذا لا يبدو مستغربا أن يستخدم الإعلام في إدارة هذه المسألة عبر الترويج لمفهوم الأزمة وتسويق مقوماتها وترديد الحديث عن زيادات متوقعة في القيم الإيجارية وغير ذلك، خصوصا أن البلديات أو غيرها من الجهات المعنية التي يفترض أن تمتلك قاعدة بيانات دقيقة حول حجم العرض من الشقق المخصصة للإيجار، وتشارك في فك ألغاز ما يحدث على أرض الواقع عبر إجراء دراسات مسحية دقيقة، تكشف عن مَواطِن الخلل وحقيقة ما يحدث، وتحدد بدقة حجم العجز في الشقق السكنية المخصصة للإيجار -إن وجد- وتدير السوق بطريقة علمية بعيدة عن الوسطاء و"النواطير"، ممن عطّلوا قوى السوق وضربوا بقوانين الاقتصاد الحر عرض الحائط. إن مواصلة الارتفاع في إيجارات الشقق لا يمتّ بصلة إلى قوانين العرض والطلب، وينال من المصلحة العامة ويؤثر فيها على المدى البعيد، على اعتبار أن استمرار تغذية الاتجاه الصعودي للقيم الإيجارية للشقق يسهم بالتبعية في زيادة تكاليف المعيشة، وربما يدفع الكثير من الكفاءات البشرية الماهرة، إما إلى الاصطدام والاحتكاك اليومي بالمؤسسات التي تعمل بها وتصدير الأزمة إليها، أو التفكير في البحث عن فرص أخرى توفر له قدرة أكبر على الادخار، أو تغييب مقومات البيئة النفسية الملائمة للعطاء المهني المنشود. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.