الصفحات الإعلانية التي خصصتها الهيئة العليا للتعداد السكاني، والتي نشرتها الصحف اليومية مؤخراً وتوجّهت من خلالها الهيئة بالشكر إلى الجمهور من المواطنين والمقيمين على تعاونهم ومساهمتهم في إنجاح تعداد 2005، هذه الإعلانات تمثل جهد علاقات عامة مطلوباً وبإلحاح، بغضّ النظر عما إذا كان الهدف من ورائه إبراز جهود الهيئة العليا للتعداد، وتأكيد النجاح في مواجهة بعض الغمزات والتلميحات التي تحاول التشكيك في الأرقام والإحصاءات المعلنة، أم أن الهدف يتمثل في أمور أخرى. الشكر بحد ذاته مطلوب أولاً للمتطوعين والرعاة الذين أسهموا في إنجاح التعداد، وإبلاغهم رسالة تقدير تعكس قيمة جهودهم في التوصل إلى نتائج إحصائية، وتوفير قاعدة بيانات معلوماتية مطلوبة لصناعة القرارات في القطاعات التنموية كافة. والشكر مطلوب أيضاً للجمهور الذي اقتنع منذ البداية بجدية التعداد، وأدلى ببيانات ومعلومات صحيحة. أما الهدف الحيوي الأهم ـ برأينا ـ لهكذا صفحات إعلانية، فهو يتمثل في بث رسالة مطلوبة لبعض شرائح الجمهور، سواء تلك التي شعرت بشيء من التردد في الإدلاء ببيانات ومعلومات صحيحة، خشية أن يكون الأمر متعلقاً بموضوع آخر يتجاوز التعداد السكاني، أو ممن شعروا بعدم قيمة الإدلاء بهذه المعلومات، وبأن الإدلاء ببياناتهم الدقيقة لن يقدم ولن يؤخر في المحصلة النهائية للنتائج، وبالتالي فقد تعاطوا بقدر من عدم الحماس مع مندوبي التعداد، أو تملصوا من العملية برمّتها لسبب أو لآخر. الرسالة الإعلامية الأهم في صفحات الشكر الموجّهة لقطاعات الجمهور كافة، تتمثل في أن التعداد قد تم بنجاح، وأن نتائجه أعلنت ولم تظل حبيسة الأدراج كما تكهن البعض، وأن مشاركة الجمهور بفاعلية ووعي في أنشطة من هذا النوع، يدعم صناعة القرار والتخطيط للمستقبل الذي يهمّ الجميع، مواطنين ومقيمين. الرسالة إذاً تتعلق ببناء ثقافة مجتمعية جديدة قائمة على الشفافية والتفاعل الاجتماعي مع البيئة المحيطة، وتغذية الوعي العام بقيمة المعلومة والجدية في التعامل مع البيانات العائلية والحفاظ على الخصوصية، وأيضاً بناء ثقافة جديدة قائمة على أهمية التعاون بين الفرد والمؤسسات الرسمية لمصلحة المجتمع ككل، بحيث تسود هذه العلاقة الشفافية والاحترام والتعاون والتفاعل، بدلاً من الريبة والحذر والشكوك المتبادلة وعدم الرغبة في إبداء أي تعاون. جهود العلاقات العامة من هذا النوع تضطلع بها منذ فترة وزارة الداخلية وتمتلك في هذا الإطار تراكماً نسبياً يتيح لها بناء علاقات جيدة بين الجهاز الأمني والبيئة المحيطة، والمأمول أن تسلك هذا الدرب بقية مؤسساتنا الحكومية بحيث تسعى إلى التواصل بشتى الطرق مع جمهورها والتفاعل معهم عبر مختلف قنوات الاتصال، لبناء علاقات ثقة تسهم في إنجاح أي خطط أو مشروعات قد تنفذ في المستقبل تتطلب مساهمات جماهيرية، وقد تحتاج إلى جهود جبارة لإقناع الجمهور بالتعاون والمشاركة. إن العلاقات العامة لم تعد مجرد غرف مهمتها إصدار البيانات وتلقي الشكاوى وتنظيم حفلات الاستقبال، بل صارت منذ سنوات طويلة علماً، يمتلك من القواعد والأسس التي تعزز فرص التنافسية والتطور. ـــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية