لقد أحدث نجم صغير الحجم مصحوب بكوكب سيار تابع له, هزة جديدة في فهم العلماء للكوكب كظاهرة فلكية. وربما يعد هذا الكوكب ضمن واحد أو اثنين فحسب من نوع تلك التي تدور حول النجوم. وعلى رغم إمكانية التقاط صورة مباشرة له, إلا أنه يبدو إلى النجم أقرب منه إلى الكوكب. وبسبب الصغر المتناهي لهذا النجم الصغير الذي يحمل إسم Oph1622 فإنه لم يسبق له أن أضاء مطلقاً. وهو عبارة عن نجم منطفئ يندرج تحت منظومة "الأقزام البنية", مع ملاحظة أنه يبدو شديد الصغر حتى بين الأقزام البنية نفسها. ذلك أن كتلته تعادل ما يقدر بكتلة 14 مثلاً لكوكب المشترى, أو ما يعادل نحو واحد من سبعين من خُمس كتلة الشمس. وفي ورقة علمية نشرت في الخامس من شهر أغسطس الجاري, عبر الموقع الإلكتروني لـ"مجلة العلوم", ذكر علماء وباحثون فلكيون من جامعة "تورونتو" والمرصد الأوروبي الجنوبي أن صورة لنجم Oph1622 أظهرت كذلك كوكباً يعادل حجمه نصف حجم النجم نفسه, بينما تعادل كتلته كتلة حوالي سبعة أمثال كوكب المشترى. وذكر العلماء أن المسافة الفاصلة بين النجم والكوكب تقدر بحوالي 22 مليار ميل أو ما يقدر بنحو ستة أضعاف المسافة الفاصلة بين كوكبي الشمس وبلوتو. ووصفت الورقة العلمية المشار إليها أن عمر الكوكب والنجم يقدر بحوالي مليار عام لا أكثر. وقد استحدث العلماء اسماً مختصراً موحداً لكليهما هو "بلانيمو" وهو اختصار يشير إلى كتلة جسم كوكبي, أو جرم سماوي شبيه بالكوكب, دون الجزم بتصنيفه ضمن الكواكب. وعلى حد تعبير "راي جاياوردانا" أستاذ علم الفلك بجامعة "تورونتو" ومؤلف الورقة العلمية المشار إليها آنفاً, فإن ذلك الجسم يبدو شيئاً غير مألوف وشديد الخداع والغموض. وقال إن ثنائي Oph1622 إنما يضيف ثراءً جديداً للظواهر الفلكية التي جرى اكتشافها مؤخراً, واصفاً ذلك التنوع بأنه ظاهرة جد حديثة ولم تخطر على بال العلماء حتى قبل عقد واحد مضى من الزمان. وفي الأوساط الفلكية العلمية, فقد احتدم الخلاف حول رسم الحد الفاصل بين الكواكب وما يستجد اكتشافه من ظواهر فلكية مؤلفة من ركام الصخور والثلوج التي تتخذ شكل الشهب والكوكيبات الصغيرة السيارة. والواقع أن اكتشاف جسم فلكي جديد يزيد حجمه على حجم بلوتو في الفضاء الخارجي العام الماضي, قد أشعل نار نقاش محتدم بين العلماء حول ما إذا كان من الواجب شطب كوكب بلوتو من قائمة الكواكب التسعة المعروفة, لكونه أصغرها جميعاً أم لا؟ ليس ذلك فحسب, بل طالت الضبابية والشكوك هذه, رؤية المهتمين بأمر الفضاء الخارجي, بعيداً عن إطار الأكاديمية الفلكية المتخصصة كذلك. وخلال العقد الماضي وحده, تمكن العلماء من اكتشاف نحو 200 كوكب جديد تدور حول النجوم. وتكاد جميع هذه الكواكب قد جرى اكتشافها ورصدها على نحو غير مباشر إثر حدوث تحول طفيف في ذبذبة الضوء الصادر عن النجوم, بفعل تأثير جاذبية الكوكب المعني. لكن وفي العام قبل الماضي 2004, أعلن العلماء والباحثون لأول مرة عن رصدهم المباشر لكوكب بعيد في الفضاء الخارجي, يقدر حجمه بخمسة أمثال كوكب المشترى. وقد عرف ذلك الكوكب باسم 2M1207 ويقع على بعد 230 سنة ضوئية في مجموعة "هايدرا". ومنذ ذلك التاريخ تمكن العلماء من رؤية ورصد عدد من الأجرام الصغيرة المصاحبة, التي تدور حول مجموعة من النجوم. بيد أنهم لم يستطيعوا تحديد ما إذا كانت تلك الأجرام الصغيرة المصاحبة كواكبَ أم أقزاماً بنية. هذا ومن رأي البروفسور "راي جاياوردانا" أن على ظاهرة Oph1622 أن تزيد من هذا الالتباس العلمي المحيط بها, علماً بأنها تبعد عن الأرض بنحو 400 سنة ضوئية. وسبب الالتباس أن هذا الجرم السماوي المصاحب, يبدو شبيهاً بالكواكب, إلا أنه نشأ بطريقة أقرب إلى تلك التي تنشأ بها النجوم. والمعروف عن النجوم أنها تنشأ عادة على مرحلتين, أولاهما انهيار سحب الغاز بفعل تأثير الجاذبية, وتشكيلها لما يتراوح بين نجم أو اثنين أو ثلاث في بعض الأحيان. ثم يعقب ذلك تشكل قرص من مخلفات الغاز والغبار الفضائيين ليتخذ شكل الكواكب لاحقاً. ولكن المشكلة أنه ليس في وسع العلماء إعادة عقارب الساعة إلى ملايين بل مليارات السنوات للوراء كي يقرروا الطريقة التي تشكلت بها أجرام سماوية بعينها دون الأخرى. والمعروف عن الأقزام البنية أن لها كتلة تعادل 13 مثلاً لكوكب المشترى. غير أن بعض العلماء يعتقد أن هذه الأقزام ليست سوى نجوم طريدة من منظومة النجوم المتكونة حديثاً. وهناك منهم من يفسر الأقزام البنية بأنها نشأت بالطريقة ذاتها التي نشأت بها النجوم الأخرى, إلا أنها نشأت عن سحب غازية أصغر حجماً. إلى ذلك تمكن العلماء من رصد أجرام سماوية عائمة بحجم الكواكب, إلا أنها لا تدور حول أي من النجوم. ولا يزال الجدل مستمراً بين العلماء حول ما إذا كانت هذه الأجرام قد تشكلت بالطريقة نفسها التي تتشكل بها النجوم, أم أنها طريدة المنظومات الشمسية؟ وكان الاعتقاد السائد بين الباحثين والعلماء أنه من الاستحالة وجود نجوم تصغر عن حجم الشمس بكثير. ويفسرون هذه الاستحالة بأن ضغط جزيئات الغاز الخارجي, يمنع منعاً باتاً انهيار السحب الغازية التي تنشأ عنها النجوم. فهل تنقلب النظرية هذه رأساً على عقب الآن؟! كينيث تشانج ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتب صحفي أميركي متخصص في الشؤون العلمية ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"