يبدو أن إسرائيل باتت تحارب اليوم من أجل الفوز في معركة التصورات في وقت تشن فيه قواتها هجوماً برياً على جنوب لبنان، وقامت قواتها الخاصة بغارة غير متوقعة إلى الشمال في مدينة بعلبك. ذلك أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت يريد أن يُنظر إلى إسرائيل على أنها حققت نصراً مدوياً على "حزب الله" عندما يتم الاتفاق على وقف لإطلاق النار لما لذلك من أهمية بالغة بالنسبة له سياسياً، وخصوصا بعد بداية بطيئة وخرقاء. كما تريد إسرائيل تبديد صورة من أقدم على مغامرة عسكرية غير موفقة ضد مجموعة صلبة وصغيرة ومدربة تدريباً جيداً من المقاتلين. وإضافة إلى ذلك، تريد إسرائيل أيضاً البعث برسالة إلى الفلسطينيين و"حزب الله" وراعييه سوريا وإيران، مؤداها أن أي هجمات على إسرائيل ستُقابل بقوة ضاربة، وأن الكلفة لا تستحق الجهد. غير أنه وعلى غرار جميع الحروب، لا بد لأي انتصار من أن يتم تعزيزه بترتيبات سياسية ودبلوماسية من قبيل نشر قوة متعددة الجنسيات بمحاذاة الحدود، غير أن ترتيبات من هذا النوع ما زالت أمراً غير مؤكد حتى الآن. أما النصر بالنسبة لـ"حزب الله"، فيتمثل في تلافي الهزيمة، حيث سيُنظر إليه من قبل الكثير من المسلمين على أنه حقق انتصاراً بتمكنه من الحفاظ على قدراته القتالية، حتى وإن اقتصرت على إطلاق قذائف قصيرة المدى على إسرائيل. وهو ما يسميه "جيدي غرينشتين"، المفاوض الإسرائيلي السابق ومدير "معهد روت"، بـ"مفارقة 90-10"، ذلك أن إسرائيل تستطيع القضاء على 90 في المئة من قدرات "حزب الله" القتالية"، غير أن الحزب يستطيع مع ذلك إعلان النصر، والقول إنه قاتل جيشاً إسرائيلياً قوياً في معركة لا غالب فيها ولا مغلوب، و"عندما تضع الحرب أوزارها"، يقول غرينشين، "سيكون لهم خطاب وكذلك نحن. وبالتالي، فالأمر كله يتعلق بالتصور". سيقول "حزب الله" إنه صمد طيلة ثلاثة إلى خمسة أسابيع من الحرب في وجه أقوى جيش في المنطقة، جيش يتلقى دعمه وتسليحه من أقوى جيش في العالم، ألا وهو جيش الولايات المتحدة. وبهذا المعنى، فإن حرباً طويلة تخدم مصلحة "حزب الله". كما سيصف الكثيرون في العالمين العربي والإسلامي "حزب الله" وزعيمه الشيخ حسن نصر الله بالأبطال وخلفاء صلاح الدين، الذين أبدوا استماتة وبسالة مبهرتين قلما أظهرتها جيوش الدول العربية العلمانية التي حاربت إسرائيل. وفي هذا السياق، يرى "شلومو أفينيري"، المسؤول السابق بوزارة الخارجية وأستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية، أن إسرائيل لن تستطيع أبداً الانتصار في خطاب عربي قائلاً "لو أن إسرائيل فازت خلال الأسبوع الأول، لقال "حزب الله" إنه كان فوزاً للولايات المتحدة التي أمدت إسرائيل بالوقت والسلاح والمال". ويتابع "أفينيري" قائلاً إن مشكلة إسرائيل أكثر تعقيداً لأنه "من المرجح أن ينتهي كل شيء إلى نتائج رمادية"، مضيفاً أن ما سيساعد على تحديد النتائج الحقيقية هو تفويض قوة متعددة الجنسيات وما إن كان يدعو إلى نزع سلاح "حزب الله". ومن جانبه، يقول وزير إسرائيلي طلب عدم نشر اسمه نظراً لحساسية الموضوع "إن الخطاب في النهاية جزء من المشكلة، مضيفاً "لقد قالها أولمرت بشكل واضح خلال اجتماع الحكومة: "سلوا نصر الله ورفاقه ما إن كانوا يرغبون في العودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل ثلاثة أسابيع، وسيردون بالإيجاب". والحال أن النهاية ستكون بعيدة كل البعد عن الهدف الذي وضعته إسرائيل لنفسها في البداية، والذي حدده أولمرت في تدمير "حزب الله" أو تفكيكه. وفي هذا الإطار يقول غرينشتين "تحاول إسرائيل اليوم تركيز خطابها على أدنى إنجاز ممثلاً في انتكاسة كبيرة لقدرات "حزب الله" القتالية"، مضيفاً "غير أن التحدي الأهم هو تركيز خطاب النصر على أهداف أكثر طموحاً". ومن أجل "الفوز"، يجب على إسرائيل أن تؤثر في صنع القرار داخل "حزب الله"، وتزيل عن مقاتلي الحزب هالة المقاتلين الذين لا يقهرون، والذين طردوا الأميركيين والفرنسيين من بيروت في 1983 والإسرائيليين من لبنان في 2000. كما يجب على إسرائيل أيضاً إحداث هوة بين المصالح اللبنانية ومصالح "حزب الله"، تضمن من خلالها أن يمارس اللبنانيون ضغوطاً على الميليشيا حتى لا تستفز هذه الأخيرة إسرائيل مرة أخرى. ويقول غرينشتين "إن "حزب الله" يخدم سيدين هما: لبنان الذي يعيش به، وإيران وسوريا ومعسكر المقاومة المستمرة لإسرائيل"، مضيفا أن "معظم اللبنانيين لا يحبون السيد الثاني. ولكن عندما يتداخل الاثنان، كما فعلا قبل الثاني عشر من يوليو، فإن ذلك يشكل مبعث راحة لـ"حزب الله"". ونتيجة لذلك، تحاول إسرائيل تسليط الضوء على التناقضات وتعارض المصالح، حيث ينظر إلى نصر الله على أنه أخطأ الحساب عندما سمح بالإغارة على إسرائيل في الثاني عشر من يوليو الماضي، وهو ما أسفر عن أسر جنديين إسرائيليين. وقد سبق له أن أعلن أنه كان يعتقد أن إسرائيل سترد كما حدث في السابق، أي بواسطة نيران المدفعية. وفي هذا الإطار، يقول غرينشتين "إن أهم إنجاز ستحققه إسرائيل في هذه الحرب يتمثل في ما إن كانت تستطيع النيل من قدرات "حزب الله" على محاربة إسرائيل من داخل لبنان". ومن جانبه، يتوقع "جورا إيلاند"، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون، أن يتم التوصل إلى حل في الأيام القليلة المقبلة "وهو أمر بعيد عن الهدف الذي حددته إسرائيل في البداية"، متحدثاً عن رزمة سياسية يجري التباحث بشأنها في الأمم المتحدة وتقضي بتبادل الأسرى، وإقامة منطقة أمنية في جنوب لبنان تكون خاضعة لمراقبة قوة متعددة الجنسيات، وتعهد إسرائيلي بعدم انتهاك سيادة لبنان، و"تعهد الحكومة اللبنانية بتحمل مسؤولية سلوك "حزب الله". ستيفان إيرلانغار ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل نيويورك تايمز في القدس ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"