مازالت الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" مستمرة دون أن يلوح في الأفق ما يشير إلى قرب انتهائها، وذلك على الرغم من التكلفة الإنسانية والاقتصادية الباهظة التي يتكبدها الطرفان على جانبي الحدود. فقد لقي أكثر من 400 لبناني مصرعهم، وفقد أكثر من 17 مدنياً إسرائيلياً أرواحهم في المواجهات الدامية المندلعة بين الطرفين، حيث صواريخ "حزب الله" تواصل السقوط على شمال إسرائيل، والتدمير متواصل في جنوب لبنان، فضلاً عن نزوح الآلاف من الشيعة الفقراء باتجاه الشمال بحثاً عن الأمن والطمأنينة. وهنا لا بد من التذكير بأن كلا الطرفين يطلقان النار بشكل عشوائي دون تمييز بين المدنيين والأهداف العسكرية. "فحزب الله" يرسل صواريخه المعروف بأنها غير دقيقة، وبأن احتمالات إصابتها المدنيين أكثر من سقوطها على العسكريين. وبالمثل تستهدف إسرائيل المدنيين من غير المقاتلين في جنوب لبنان كما لو كان الجنوب منطقة حرة لإطلاق النار. وهذا ما أكده بنفسه الجنرال "دان حالوتس" الذي اعترف باحتقاره للمدنيين اللبنانيين في تدخل له على أمواج الإذاعة الإسرائيلية في الرابع والعشرين من شهر يوليو الجاري عندما أمر بتدمير عشر بنايات متعددة الطوابق في ضاحية بيروت الجنوبية حيث يسكن الشيعة مقابل كل صاروخ يسقط على حيفا. ومع الغطاء الدبلوماسي الذي تمنحه إدارة الرئيس بوش لإسرائيل تحاول هذه الأخيرة كسب المزيد من الوقت لتحقيق أهدافها. فإسرائيل ترى بأنه كلما طالت الحرب وامتدت عبر الزمن كلما استطاعت إضعاف "حزب الله" وهزمه. وتخوض الدولة اليهودية حالياً معارك شرسة في الجنوب سعياً منها للسيطرة على القرى الجنوبية وخلق منطقة عازلة على حدودها الشمالية. غير أن أهداف إسرائيل تلاقي مقاومة مستميتة من قبل عناصر "حزب الله" المتمرسين على خوض المعارك طيلة عقدين من الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان. ورغم المطالب الدولية ومناشدة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة بإقرار وقف فوري لإطلاق النار وتجنيب لبنان المزيد من الدمار والقتل تصر كوندوليزا رايس بأن الشروط لم تتوفر بعد لفرض وقف إطلاق النار. الأهم من ذلك أن الحجة القائلة بأن إطالة أمد الحرب يخدم مصلحة إسرائيل في نزع "سلاح حزب" الله يكتنفها الكثير من الشك لخمسة أسباب: -يتوفر "حزب الله" على ترسانة كبيرة من الأسلحة، ومن غير المرجع أن يتم تجريد سلاح الحزب بشكل كلي ونهائي. كما أن تضاريس جنوب لبنان مليئة بالوديان والتلال، والكهوف، فضلاً عن العديد من القرى حيث يمكن إخفاء الأسلحة بسهولة. يضاف إلى ذلك أن "حزب الله" يتمتع بدعم شعبي كبير في الجنوب حيث أغلبية السكان من الشيعة الذين يؤازرون الحزب وينظرون إليه بإجلال بعدما تمكن من طرد الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب في 2000. -وإذا كان "حزب الله" أول من بدأ الحرب باختراقه الحدود الإسرائيلية وأسره لجنديين من الجيش الإسرائيلي، وإذا كانت الدولة اليهودية تعول على معارضة اللبنانيين لخطوة "حزب الله"، إلا أن استمرار إسرائيل في الحرب وانتهاجها أسلوب الانتقام وإنزالها العقاب بالمدنيين العزل من شأنه تعزيز الكراهية لإسرائيل وراعيتها الولايات المتحدة مقابل حشد التأييد لصالح "حزب الله". فقد نشرت مؤخرا صحيفة "النهار" اللبنانية المعارضة "لحزب الله" رسماً كاريكاتورياً يظهر كوندوليزا رايس وهي تحاول إخماد حريق لبنان بسكب قطرات من الماء. -لا يعتبر نشر قوات دولية لحفظ السلام في الجنوب سواء كانت مستقلة، أو بالتنسيق مع الجيش اللبناني حلاً سحرياً، ذلك أن العديد من أفراد الجيش اللبناني هم من الشيعة، ووقوفهم إلى جانب "حزب الله" هو أكثر ترجيحاً من نزعهم لسلاحه. وبالنسبة للقوات الدولية كيف سيتصرف أفرادها إذا ما نكصت إسرائيل عن وعودها كما هي عادتها وعادت إلى قتل اللبنانيين وخلق منطقة أمنية عازلة في الجنوب؟ -تنظر الولايات المتحدة وإسرائيل إلى "حزب الله" على أنه امتداد للنفوذ الإيراني في المنطقة. لكن استمرار الحرب سيعطي إيران المزيد من النفوذ بسبب الشعور السائد لدى الشيعة في المنطقة بأنهم مستهدفون دون غيرهم في هذه الحرب. وهنا ستبرز إيران كحليف قوي للشيعة في الشرق الأوسط، وأنها قادرة على المساهمة في إعادة إعمار جنوب لبنان بعد انتهاء المعارك. -ولا ننسى أن شعبية "حزب الله" ما فتئت تتصاعد في العالم العربي كلما استمرت الحرب لفترة أطول. ففي العراق عارض البرلمان بشدة الحرب الدائرة في لبنان والعدوان الذي يتعرض له الشعب اللبناني، كما أصدر المرجع الشيعي الأعلى في العراق أية الله علي السيستاني فتوى يدين فيها بشدة الهجوم على المدنيين اللبنانيين ويدعو فيها الفقهاء الشيعة إلى التحرك سريعا ضد العدوان الإسرائيلي. وقد اضطرت كوندوليزا رايس إلى القفز عن مصر أثناء زيارتها الأخيرة للشرق الأوسط بسبب الدعم المتنامي "لحزب الله" في القاهرة. أوغسطس ريتشارد نورتون أستاذ العلاقات الدولية والأنثروبولوجيا في جامعة بوسطن الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"