عندما قامت كوريا الشمالية بأولى تجاربها على صواريخ تصل إلى اليابان سنة 1994 أغدق كيم يونج إيل، الذي كان حينها نجلا للرئيس، الثناء والهدايا على فريق العلماء الذي أشرف على تطوير الصواريخ وإطلاقها بنجاح، وشكرهم على كدهم طيلة الفترة السابقة وراء الأبواب المغلقة. وفي تلك المناسبة السعيدة نقلت موظفة سابقة في معهد بيونج يانج الذي أنجز مشروع إطلاق الصواريخ قول "كيم يونج إيل" مخاطبا العلماء "أنتم تستحقون أكواماً من الذهب لما فعلتموه لبلادكم" كما نقله. وقد زادت حماسة "كيم يونج إيل" بعد شهور قليلة بعد ذلك التاريخ عندما توفي والده وتولى منصب رئيس كوريا الشمالية وانخرط في مشروع أكثر طموحاً يهدف إلى تطوير صاروخ متعدد المراحل يستطيع الوصول إلى الولايات المتحدة. وقد نقلت الموظفة السابقة "كيم جيل سان" مقولة "كيم" في تلك المناسبة: "سيكون بإمكاننا الوصول إلى أي مكان في الولايات المتحدة، ولن يستطيع الأميركيون القيام بأي شيء ضدنا". وخلال زيارته إلى موقع العلماء اصطحب معه كيم يونج إيل العديد من الهدايا التي وزعها على الفريق المشارك في صنع الصواريخ. ورغم أن الهدايا كانت بعيدة عن الذهب الذي قال إنه سيغدقه على العلماء، فإنه منح العديد من الساعات التي نقش عليها رمز القيادة العليا، وأجهزة التلفاز الملونة، فضلاً عن الثلاجات والمروحيات الكهربائية التي تعتبر مقتنيات فخمة بالنظر إلى الفقر الذي تعاني منه كوريا الشمالية. ويكشف الاحتفاء الكبير الذي حظي بها الباحثون والعلماء في كوريا الشمالية النجاح الباهر الذي حققته هذه الدولة الفاشلة في إنتاج صواريخ على درجة كبيرة من التطور تهدد بها القوى العظمى في العالم، رغم جميع الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها. فقد أقدمت "بيونج يانج" على تجربة سبعة صواريخ خلال الشهر الجاري بما فيها صاروخ بعيد المدى لم يحقق النجاح المنتظر. ومع ذلك أبدى الخبراء إعجابهم بالقدرة الكبيرة التي أبانت عنها الصواريخ متوسطة المدى والتقنية المتطورة المستخدمة لإطلاقها. وفي هذا الإطار قال الجنرال "بي.بي بيل" قائد القوات الأميركية في كوريا الجنوبية "يبدو أن الصواريخ على درجة عالية من الدقة، وهو ما يؤكد الإمكانات التي باتت تتمتع بها كوريا الشمالية في مجال الصواريخ". ورغم النقص الكبير في المعدات التي كان يعاني منها جيش كوريا الشمالية، حيث لم يكن الجنود يملكون جوارب، ضاعفت "بيونج يانج" في السنوات الأخيرة تمويلها للأبحاث المرتبطة بالصواريخ، لا سيما تلك القادرة على حمل رؤوس نووية. ويؤكد هذا الطرح "كيم دوك هونج" الذي غادر بيونج يانج سنة 1997 بعدما شغل منصب نائب مدير معهد "جوش" المسؤول عن صياغة أيديولوجية كوريا الشمالية بقوله "لم يكن كيم يونج إيل يهتم ما إذا كان سيقود البلاد إلى الإفلاس، لأنه كان ينظر إلى تطوير الأسلحة والصواريخ كوسيلة لتعزيز سلطته والإمساك بها". وبسبب الطابع السري للنظام في كوريا الشمالية فإن المعلومات المتوفرة حول الأسلحة والصواريخ لا يمكن جمعها سوى عن طريق الموظفين الذين فروا من البلاد ولجأوا إلى الغرب. فقد أمضت "كيم جيل سان" 17 عاماً وهي تعمل في مكتب لنشر الدعاية تابع لأحد مراكز البحث في بيونج يانج الذي يروج للتقدم العلمي في كوريا الشمالية، ونجحت في مغادرة البلاد سنة 1999. وكانت الموظفة الهاربة مسؤولة عن تدبيج التقارير الباهرة حول الزيارات الميدانية التي يقوم بها "كيم يونج إيل" إلى مواقع العلماء، حيث يتم إسناد تاريخ الزيارة إلى اسم المشروع. فعلى سبيل المثال تمت تسمية الفريق الذي زاره الرئيس وحثه على استهداف الولايات المتحدة بـ"فريق 11 أبريل". وتفيد المعلومات الاستخباراتية أن تطوير الصواريخ أصبح صناعة رائجة في كوريا الشمالية تبيعها للعديد من الدول وتجني من خلالها أرباحاً طائلة. وفي هذا الإطار تشير التقديرات إلى رقم 500 مليون دولار تجنيه بيونج يانج سنويا من مبيعاتها للصواريخ متوسطة المدى إلى كل من إيران وسوريا وباكستان واليمن وغيرها من الدول. باربرا ديميك مراسلة "لوس أنجلوس تايمز" في كوريا الجنوبية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"