بينما يواصل الاتحاد الأوروبي إبداء شكوكه إزاء انضمام تركيا إلى حظيرته، وتراوده مخاوف جمة من مستقبل أوروبا في ظل التحاق دولة مسلمة كبيرة مثل تركيا، تبعث هذه الأخيرة بإشارات متلاحقة عن ارتفاع ملحوظ في وتيرة المحافظة سواء في شقها السياسي، أو الثقافي. فقد ساهم الطريق الطويل والشائك الذي فرض على تركيا كشرط لدخولها الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن التعديلات القانونية والثقافية التي كان عليها أن تجريها بهدف تمهيد الطريق أمامها في استياء الأتراك من الاتحاد الأوروبي حسب آخر استطلاع للرأي أجراه الأستاذان "علي كركوغلي" و"إرسين كليشوغلو" من جامعتي سابانشي وإيزيك في إسطنبول. وقد أظهر هذا الاستطلاع انحداراً في نسبة تأييد الشعب التركي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من 74% سنة 2003 إلى 58% خلال السنة الجارية. والأكثر من ذلك كشف استطلاع الرأي الذي شمل 1846 بالغا وأجري في 23 مدينة تركية طيلة شهري مارس وأبريل من السنة الحالية أن الدين يلعب دوراً محورياً في التأثير على آراء ومواقف المستجوبين حيال مسألة الانضمام. وفي هذا الإطار عبر أكثر من 60% عن رفضهم السماح لبناتهم بالزواج من غير المسلمين. كما عزا 60% من المستجوبين سبب الإخفاق في الحياة إلى فقدان الإيمان الديني، فضلاً عن تفضيل 46% من الأتراك التحاق أبنائهم بمدارس دينية بدل المدارس التي تعتمد المنهاج العلماني. وعلى الصعيد السياسي تمكن حزب "العدالة والتنمية" الذي انبعث من رماد الأحزاب الإسلامية المهمشة من ركوب موجة "الرؤى والتوجهات المحافظة" في الشارع التركي ليشكل أول أغلبية حكومية في تاريخ السياسة التركية منذ 20 سنة. وقد تزامن صعود الحزب الإسلامي إلى السلطة سنة 2002 مع تنامي مظاهر المحافظة في الحياة العامة التركية، لا سيما في عدد النساء اللواتي يرتدين الحجاب في الشارع. ورغم الحظر الذي يطال الحجاب في تركيا بنص الدستور، إلا أن المتدينين يأملون أن يطالب الاتحاد الأوروبي من تركيا السماح بارتداء الحجاب كجزء من الحرية الدينية. وجاءت نتائج استطلاع الرأي منسجمة مع هذا التيار إذ أعرب 68% من المستجوبين عن معارضتهم للمنع، معتبرين أنه نوع من الاضطهاد الديني وطالبوا بإلغائه. هذا ولم تقتصر "رياح المحافظة" على الجانب الاجتماعي، بل هبت أيضاً على الاقتصاد، حيث ازدهرت الأعمال الإسلامية وأصبحت أكثر نجاحاً من ذي قبل. وفي هذا السياق لجأ مصطفى كاردومان، صاحب أكبر سلسلة متاجر تبيع ملابس النساء الإسلامية إلى مصطلح "تكبير" كعلامة تجارية لمحلاته. وهو اليوم يمتلك أكثر من 200 محل موزعة في جميع أنحاء البلاد، معتبراً أنه "حتى لو فتحنا في كل مدينة تركية محلا لبيع الملابس الإسلامية للنساء فإننا لن نتمكن أبدا من تلبية الطلب المتزايد". ولا يحبذ مصطفى انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، مفضلا بدلاً من ذلك إقامة علاقات تجارية مع شركاء أقل تقدماً، لكنهم أقرب ثقافياً إلى تركيا، موضحاً أنه "لو فقط قمنا بإزالة الحواجز الجمركية من الحدود، فإن ما سنجنيه من جيراننا في البلقان وآسيا الوسطى والشرق الأوسط سيكون أكبر بكثير من وعود الاتحاد الأوروبي". ويصر القادة السياسيون في تركيا على أهمية تعامل الاتحاد الأوروبي بحرص مع تركيا والأخذ في عين الاعتبار، كما يقول وزير الخارجية التركي عبد الله جول، مكانة تركيا في المنطقة كجسر بين الثقافات المجاورة. وهو يؤكد في هذا الصدد بأن "الإسلام من أقدم الديانات التي دخلت أوروبا ولديه إسهام مهم في الثقافة الأوروبية"، مضيفا أن "نجاح تركيا المسلمة في بناء ديمقراطية على الطريقة الأوروبية يجب أن ينظر إليه كإسهام حقيقي في تعزيز السلام العالمي والأوروبي". ويدعم هذا الطرح وزير المالية التركي علي بابكان الذي قال "بعد أحداث 11 سبتمبر تغيرت العديد من الأشياء في المنطقة، وعلى قادة الاتحاد الأوروبي أن يعوا أهمية إنجاح التجربة التركية، وإلا فإن النتائج ستكون وخيمة". سيبنيم أرسو مراسل "نيويورك تايمز" في تركيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"