اغتيل يوم الجمعة وزير رفيع المستوى في الحكومة الصومالية الانتقالية خارج أحد المساجد في مدينة "بيداوا"، وهو ما كرس المخاوف من أن تكون البلاد في طريق عودتها إلى الفوضى والاضطراب، وربما حرب إقليمية أوسع. وقد قُتل وزير الشؤون الفيدرالية والدستورية عبد الله ديرو إسحاق بعد أن تربص به أحد المسلحين لدى خروجه من أحد المساجد بوسط مدينة "بيداوا" عقب صلاة الجمعة. وحسب إفادات شهود عيان، فقد أدى مقتل المسؤول الصومالي إلى اندلاع أعمال شغب بالمدينة، لتضاف إلى الحصار الذي ترزح تحته منذ مدة الحكومةُ الانتقالية، التي تواجه خصوماً إسلاميين أقوياء في العاصمة مقديشو، وتعاني انشقاقات عميقة في "بيداوا" التي تتخذ منها عاصمة مؤقتة. هذا وكان مسؤولو الأمم المتحدة أعلنوا في الأيام القليلة الماضية أن المئات من القوات عبرت الحدود من إثيوبيا إلى الصومال واختفت وسط الأدغال، في حين حطت طائرات مجهولة بمقديشو، ويجوب مسلحون تُجهل جهة ولائهم الشوارع عبر البلاد. وعلاوة على ذلك، يخشى الكثيرون تفكك الحكومة الانتقالية بسبب الخلافات العشائرية أو سحقها على يد الإسلاميين في حرب يمكن أن تمتد إلى ما وراء الحدود الصومالية، حيث يشتبه في أن تكون إثيوبيا وإرتيريا، وهما العدوان اللدودان، وراء تسليح الجانبين المتصارعين، الأمر الذي يهدد بإشعال صراع عرقي وديني في منطقة القرن الأفريقي برمتها. ذلك أن من شأن أي صراع كبير في الصومال أن يستقطب القبائل المسلمة في صحاري إثيوبيا، أو يشجع الإسلاميين في الصومال على السيطرة على الساحل الكيني، أو يفجر جولة أخرى من الاقتتال بين إثيوبيا وإريتريا، اللتين خاضتا مؤخرا حربا طويلة ومكلفة. واستشرافا لكل هذه الاحتمالات، يناشد زعماء الحكومة الانتقالية في الصومال الأمم المتحدة رفع حظر الأسلحة المفروض على البلاد على اعتبار أنهم يفتقرون إلى السلاح الكافي. في هذه الأثناء، يدعو الزعماء الإسلاميون في مقديشو إلى الجهاد في وقت أضحوا يبسطون فيه سيطرتهم على المزيد من المناطق التي تفتقر إلى القانون والنظام معززين صفوفهم بالميليشيات، وهو ما يفسر مخاوف العديد من الناس أن تكون وجهتهم المقبلة مدينة "بيداوا"، التي لا تبعد سوى بنحو 150 ميلاً عن العاصمة. أما الحكومة في "بيداوا"، فتسعى جاهدة إلى إنهاء أعمال الشغب التي اندلعت على إثر اغتيال الوزير، معجلة بتحصين المباني وتشكيل جيش وطني. غير أن زعماءها يشتكون من نقص الأسلحة والذخيرة إضافة إلى انقسامهم. ويعقد البرلمان جلساته في مخزن قديم للحبوب حيث يبدو أن السياسيين من عشائر مختلفة لا يستطيعون التوصل إلى إجماع حتى بخصوص عدو مشترك بات على مشارف "بيداوا". وعلاوة على ذلك، يشتبه الكثير من الناس في أن تكون قوات داخل الحكومة المنقسمة وراء مقتل وزير الشؤون الدستورية، الذي ينتمي إلى قبيلة قوية. غير أن سلطات "بيداوا" أعلنت ليلة الجمعة أنها ألقت القبض على خمسة مشتبه فيهم، من دون الإفصاح عن هوياتهم. والواقع أن التوتر بدأ يشتد في البلاد منذ الأسبوع الماضي عندما أعلن مسؤولو الأمم المتحدة في الصومال أن المئات من القوات الإثيوبية دخلت "بيداوا" من أجل حماية الحكومة الانتقالية. ومما يذكر في هذا السياق أن إثيوبيا تدخلت مرات عدة في الصومال بهدف إخماد الثورات الإسلامية. فقد حطت طائرة شحن مجهولة في مقديشو يوم الأربعاء الماضي. ويوم الخميس تحدثت حكومة "بيداوا" عن قدوم طائرتين إضافيتين، متهمة إريتريا بإرسال أسلحة إلى الإسلاميين، وهو ما نفته الحكومة الإريتيرية بسرعة. في هذه الأثناء، يقوم دبلوماسيون من الأمم المتحدة برحلات مكوكية بين "بيداوا" ومقديشو بهدف حث الطرفين معا على التفاوض. وفي هذا الإطار، يرتقب أن تذهب حكومة "بيداوا" إلى السودان الأسبوع المقبل من أجل إجراء جولة جديدة من محادثات السلام مع الإسلاميين على أمل إبرام اتفاق مع رجال الدين المعتدلين، غير أنها تخشى أن يمسك المتشددون بأوراق التفاوض. وفي هذا السياق، يقول محمد علي جيدي، رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية، "إن سياستنا لا تقوم على خوض الحرب، غير أن الإسلاميين ينمون عضلاتهم. ولذلك، فالوقت صعب ودقيق جداً". هذا ويبدو "اتحاد المحاكم الإسلامية"، وهو حركة تقوم على التفسير الصارم للشريعة الإسلامية، عازما على تحويل الصومال إلى دولة إسلامية، وهو ما لا ينسجم مع الحكم العلماني الذي يحاول الساسة في "بيداوا" التأسيس له. ومن جهة أخرى، ادعى مسؤولون أميركيون أن الزعماء الإسلاميين على علاقة بتنظيم "القاعدة"، كما حاولت واشنطن إضعافهم عبر توفير الدعم لزعماء الحرب المنافسين، غير أن ذلك سرعان ما أفضى إلى نتائج عكسية وأغضب السكان ضدهم. واليوم يسيطر الإسلاميون على العاصمة مقديشو، التي تعد أكبر مدينة في الصومال، إضافة إلى أفضل موانئ البلاد ومطاراتها. غير أنهم لا يستطيعون إقالة حكومة "بيداوا على اعتبار أنها تحظى باعتراف القوى الغربية ومساعدة إثيوبيا. ويقول عمر فاروق، وهو صحافي صومالي، "الواقع أن كل طرف يحلم بالتخلص من الآخر. وبالتالي، فلن يقتسما السلطة أبداً". ـــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"