في الوقت الذي بدأ فيه الرئيس الأميركي جورج بوش محاولة إصلاح ما فسد من العلاقات السياسية بين الولايات المتحدة وأوروبا، أعاد الصراع الحالي في الشرق الأوسط إحداث هوة بين جانبي الأطلسي، في الشارع مثلما في الحكومات، حيث يحذر زعماء ومواطنون في أوروبا من تداعيات رفض واشنطن ضبط قصف إسرائيل للبنان، مبدين تخوفاً متزايداً إزاء تنامي المشاعر المؤيدة لـ"حزب الله" في الشرق الأوسط في ضوء المشاهد اليومية للدمار وقتل المدنيين. كما لا يخفي مسؤولون أوروبيون قلقهم إزاء تأثير هذه الأحداث على جالياتهم المسلمة والعربية. وفي هذا الإطار، دعا الرئيس الفرنسي جاك شيراك يوم الجمعة إلى أن يصدر مجلس الأمن الدولي قراراً يقضي بوقف فوري لإطلاق النار في الشرق الأوسط "في أقرب وقت ممكن". كما التقى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، الذي برز مرة أخرى كأوثق حليف أوروبي لبوش رغم الضغوط المتزايدة التي يتعرض لها من نظرائه الأوروبيين، مع الرئيس الأميركي في واشنطن يوم الجمعة في محاولة للدفع في اتجاه استصدار قرار أممي سريع يقضي بوقف العنف. هذا وتزداد العلاقات توتراً في وقت تدعو فيه الولايات المتحدة حلفاءها الأوروبيين إلى توفير قوات في أفق إمكانية نشر قوة لحفظ السلام في جنوب لبنان، بعد أن أعلن البنتاغون أنه لا يمكنه المشاركة في هذه القوة نظراً لانشغاله بالعراق وأفغانستان. غير أن القوى الأوروبية تبدو مترددة في المساهمة بجنود في قوة يمكن أن تدخل في مواجهة مع "حزب الله" وتتمثل مهمتها على الأقل في فرض سلام صعب. وفي هذا السياق، يقول "بيير لولوش"، عضو لجنة الشؤون الخارجية التابعة للبرلمان الفرنسي، "الخلاصة هي أن هناك خلافاً بين الجانبين حول الكارثة الكبرى في العراق، التي قضت على مصداقية الولايات المتحدة"، مضيفاً أن "الطريقة الوحيدة لوقف هذه الحرب تكمن في احتلال جنوب لبنان"، وهي خطوة يبدي الزعماء الأوروبيون حذراً كبيراً في اتخاذها. العديد من الناس هنا في العاصمة الفرنسية باريس يقولون إنه إذا كان لا بد من نشر قوة ما، فلا يجب أن تقودها قوات "الناتو". وفي هذا السياق، قال شيراك في مقابلة صحفية خص بها صحيفة "لوموند" الفرنسية هذا الأسبوع "شئنا أو أبينا، فالناتو يمثل في أعين الكثيرين الجناح العسكري للغرب. وبالتالي، فاختيار الناتو للاضطلاع بهذا الدور ليس صائباً". والواقع أن بلدانا أوروبية عديدة، منها فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، رجحت احتمال مساهمتها في هذه القوة، التي قد تحتاج إلى 20000 جندي على الأقل حسب مسؤولين أوروبيين في شؤون الدفاع. غير أن كل بلد فرض شروطاً صارمة مقابل مشاركته في حين تبدو دول أخرى متلكئة، وخصوصاً بعد أن قتل القصف الإسرائيلي 4 أشخاص في مركز مراقبة تابع للأمم المتحدة هذا الأسبوع. ويقول "هانس أولريتش كلوز"، رئيس لجنة الشؤون الخارجية التابعة للبرلمان الألماني بالنيابة، "أعتقد أنه يمكن تفهم تلكؤ الأوروبيين وحذرهم". وأضاف "كلوز"، بعد أن استدعى أعضاء اللجنة الذين اضطروا إلى قطع إجازاتهم وحضور اجتماع طارئ في مدينة "بون" يوم الخميس، قائلاً إنه يعتبر عدم رفضهم لاقتراح المساهمة بقوات ألمانية بشكل أوتوماتيكي، "تقدماً كبيراً". غير أن عدداً من المسؤولين الأوروبيين لا يخفون إحباطهم إزاء رفض بوش الضغط على إسرائيل من أجل حملها على وقف قصفها الجوي اليومي. فرغم انقسامهما حول قرار غزو العراق، لم تختلف واشنطن وحلفاؤها في أوروبا والشرق الأوسط على دعمهما لحق إسرائيل في مهاجمة "حزب الله" بعد أن أسر جنديين إسرائيليين في الثاني عشر من يوليو الجاري، وأمطر شمال إسرائيل بالقذائف. غير أنه مع ارتفاع عدد القتلى المدنيين، وتوالي مشاهد الخراب والدمار في لبنان على شاشات التلفزة والصفحات الأولى للجرائد في العالم، لم يعد يخفي الزعماء والمواطنون الأوروبيون غضبهم واستياءهم. وفي هذا السياق، يقول "مارك داسو"، النادل بأحد مطاعم باريس، "لقد دعم الأميركيون إسرائيل في هجومها على "حزب الله" ولكنهم الآن عالقون في مستنقع. فصورتهم في بقية العالم ستزداد سوءاً أكثر مما كانت عليه". كما يبدي الزعماء الأوروبيون قلقهم إزاء تأثير قصف لبنان على جالياتهم المسلمة، حيث يقول "هشام بوداحد"، وهو شاب فرنسي المولد جزائري الأصل، "إنني أشعر بالامتعاض بسبب ما يجري اليوم"، مضيفاً " أن الإسرائيليين يقتلون المدنيين، ولا أحد يمنعهم من القيام بذلك. والأميركيون يرغبون في القضاء على "حزب الله"، ولا يأبهون بموت اللبنانيين الأبرياء. وبالتالي، فلا يمكن أن ينتج عن هذه الحرب أي شيء جيد". ومن جانبه، يقول "بيير موسكوفيتشي"، نائب رئيس البرلمان الأوروبي، "إن تأثير ما يجري على الشرق الأوسط وعلى بلداننا يبعث على القلق، والواقع أنه علينا أن نكون حذرين إزاء هذا الأمر". ويرى محللون وبعض المسؤولين أن الانقسام بين الولايات المتحدة وأوروبا إنما مرده إلى مقاربات مختلفة تجاه الصراع. وفي هذا الإطار، يقول جون إيف إين، زميل أبحاث الأمن الأوروبي بـ"المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" بلندن، "فرنسا حريصة على أن يصبح لبنان قوياً وذا سيادة. أما زاوية الولايات المتحدة، فتتمثل في وضع "حزب الله" في صندوق الحرب على الإرهاب، أي أن "حزب الله" و"حماس" و"القاعدة" جميعهم في السلة نفسها. ثم إن الأوروبيين هم أكثر ميلاً إلى الإقرار بأن العالم هو أكثر تعقيداً من شعار بوش". ــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"