مرة أخرى تسافر وزيرة الخارجية الأميركية إلى الشرق الأوسط، وتلتقي بزعماء المنطقة لمناقشة اندلاع أعمال العنف هناك. غير أن المهمة هذه المرة مختلفة، ذلك أن كوندوليزا رايس لا تسعى إلى التوصل إلى اتفاق سلام بين العرب واليهود، بقدر ما تسعى إلى ضمان انتصار عسكري إسرائيلي على "حزب الله" في لبنان. وعليه، فيمكن القول إن مهمة "رايس" ترمز إلى المرحلة الثالثة من العلاقات الأميركية-الإسرائيلية، وهي المرحلة التي تدافع فيها الولايات المتحدة بصراحة ووضوح عن إسرائيل. ولكن هل ينجح هذا الدفاع بالنسبة للولايات المتحدة أو بالنسبة لإسرائيل؟ قبل الإجابة عن هذين السؤالين، دعونا أولا نلقي نظرة على المراحل السابقة. المرحلة الأولى من العلاقات بين البلدين تمتد من 1948 إلى 1983، عندما كانت تعتبر الولايات المتحدة نفسها "وسيطاً نزيهاً" في الشرق الأوسط. في هذه المرحلة، لم تتأخر الولايات المتحدة في الاعتراف بإسرائيل دبلوماسياً، ولكنها تأخرت نوعاً ما في مساعدة الدولة اليهودية اقتصادياً وعسكرياً. فالمقاتلات التي استعملها الإسرائيليون لسحق العرب في 1967 مثلا كانت من صنع فرنسي، وليس أميركياً. وفي أواخر السبعينيات، أثار الرئيس جيمي كارتر حفيظة واستياء إسرائيل حينما باع للمملكة العربية السعودية مقاتلات "إف 15"، ومع ذلك فقد حظي بما يكفي من الثقة للإشراف على اتفاقية سلام بين إسرائيل ومصر. ولكن تحولاً كبيرا حدث خلال رئاسة رونالد ريغان نحو 1983، لتبدأ بذلك المرحلة الثانية من العلاقات الأميركية-الإسرائيلية، والتي يمكن أن نصطلح عليها "التحالف"، حيث وقعت الولايات المتحدة وإسرائيل خلال العقدين المواليين اتفاقيات تنص على علاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية أوثق وأمتن. وكان من نتائج ذلك أن ازدادت الثقة الإسرائيلية بخصوص بناء المزيد من المستوطنات الدائمة في الضفة الغربية وقطاع غزة. وعلاوة على ذلك، زاد التعاطف الأميركي مع إسرائيل كحليف مهدد عقب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى في أواخر الثمانينيات في وقت كانت عدة بلدان أخرى تقف إلى جانب العرب. أما المرحلة الثالثة فقد بدأت في 2001، بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ويمكن تسميتها بـ"التحالف الوثيق". حينها أصبحت الإدارة الجديدة للرئيس بوش لا تنظر إلى إسرائيل باعتبارها حليفا مهما في المنطقة فحسب، وإنما أيضا كشريك استراتيجي كبير في الحرب العالمية على الإرهاب. وإضافة إلى ذلك، كان يُنظر إلى إسرائيل الديمقراطية باعتبارها جزءاً من "موجة المستقبل" -وفق عقيدة بوش حول الشرق الأوسط- يمكن أن تنضم إليها لاحقاً ديمقراطيات أخرى ناشئة بدءاً بأفغانستان والعراق. الواقع أن هذه المرحلة الثالثة مازالت متواصلة، غير أن لها عواقب وتبعات. مما لا شك فيه أن الولايات المتحدة وإسرائيل هما اليوم أقرب من بعضها البعض أكثر من أي وقت مضى، وهو أمر يرضي معظم الأميركيين. غير أن ثمة عواقب أكثر تعقيدا تتمثل في أن الولايات المتحدة لم تعد مثلاً موضع ثقة الحكومات العربية، ناهيك عن الشعوب العربية. كما أن بلدانا أخرى أيضا مثل فرنسا وروسيا والصين يبدو أنها مختلفة معنا حول معظم قضايا الشرق الأوسط، ومن ذلك الاقتتال الحالي في لبنان. وبالتالي، فإن دور "الوسيط النزيه"، الذي لعبته الولايات المتحدة ذات يوم، سينتقل في الأخير إلى شخص آخر، إن هو انتقل أصلاً. فإسرائيل والولايات المتحدة مركزتان اليوم على هدفهما المشترك، المتمثل في تحقيق انتصار عسكري على "حزب الله". وربما يأتي ذلك الانتصار بالنظر إلى الأسلحة التي تمد بها الولايات المتحدة إسرائيل. ولكن في النهاية، إنْ كان ثمة نوع من التسوية سيحدث– ومن ذلك مثلاً نشر قوة دولية لحفظ السلام في لبنان- فلا بد من مشاركة بلدان أخرى في العملية، مشاركة ستكون وفق شروط هذه الدول، وليس شروط إسرائيل فقط. وذاك في الواقع هو الوقت الذي سنرى فيه وظيفة الوسيط، النزيه أو غيره، تنتقل إلى عواصم عالمية أخرى في منطقة أوراسيا. الأكيد أن واشنطن وتل أبيب ستظلان قريبتين من بعضهما البعض، ولكنهما ستكتشفان معا أنه إذا ومتى تنتقل الأجندة من الحرب إلى السلام، فإن لاعبين جدداً سيتدخلون بأفكارهم الخاصة حول الشرق الأوسط، ومن ذلك حل نهائي للفلسطينيين. والواقع أن اتفاقاً شمولياً من هذا القبيل برعاية غير أميركية، كما ينبغي، ليس هو ما ترغب فيه إسرائيل، غير أن رايس وجماعتها– المنهكين في مشاكل العراق وأفغانستان وإيران- قد يجدون أنفسهم ممتنين لهذا التدخل الخارجي. حينها، قد يظهر انقسام بين واشنطن وتل أبيب، وذلك قد يكون بداية المرحلة الرابعة من العلاقات الأميركية-الإسرائيلية. ــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"