الإيدز، أو مرض نقص المناعة المكتسبة من الأمراض الخبيثة التي نسأل الله العافية منها، فليس له علاج ناجح حتى يومنا هذا، ولكن هناك مسكنات تخفف من أثر هذا الوباء الذي أبتلي به الكثير من الناس، وله عادة أكثر من طريقة لانتقاله، كما نعلم، فهو إما أن يُبتلى به الإنسان وهو لا يعرف، ومن أشهر هذه الطرق عمليات نقل الدم التي تجرى عند القيام بالعمليات الجراحية؛ فانتقال الدم الملوث كاف لنقل هذا الوباء من إنسان إلى آخر. هؤلاء البشر مبتلون وعليهم الصبر والاحتساب حتى يأتي الله بفرجه. الطريقة الثانية لاكتساب هذا الداء عبر الممارسات الجنسية المحرمة والتي يختلط فيها الحابل بالنابل. هؤلاء المرضى عليهم لوم أنفسهم والندم على فعل قادهم إلى هذه النتيجة. الغريب في هذا الداء أنه ينشط في بعض الأجسام أسرع من غيرها لسبب مجهول، وفي هذه الحالة، فإن الفيروس يهاجم نظام المناعة في الجسم مما يجعله معرضاً للموت عبر أبسط الأمراض التي عادة ما يتمكن نظام المناعة في الجسم من مقاومتها. السؤال هو ما علاقة هذا المرض بالأحداث الجارية في عالمنا العربي اليوم؟ من يرجع منا لتاريخ العرب المعاصر وبالذات في الستين سنة الماضية يجد أن العرب أصيبوا بمرض الإيدز عندما زرع بينهم جسم غريب، أضحى عامل هدم في أمة العرب، فكلما حاولت إحدى الدول خوض معركة التنمية بجوانبها المختلفة تحرك هذا المرض. في السنة الماضية زرت لبنان، وكم سعدت لأن هذا البلد العربي بدأ يتجاوز أزماته الداخلية من حروب أهلية فرضت عليه. وقد نجح هذا البلد في وضع الخطوات الأولى في طريق التنمية ، لكنه يعود من جديد إلى نقطة البداية، الأمر قبله حدث في العراق الذي شق طريقاً للتنمية، يقره لها الجميع مع تحفظنا على بعض الممارسات فيه، لكن هاهو العراق يبدأ من نقطة الصفر، ولا أعرف متى سيتجاوز هذا الصفر. ما يجري في لبنان اليوم مأساة سكت العالم عنها، بل أقرتها بعض الدول الكبرى كان العامل الأساس فيها هو "إيدز العرب". إضافة إلى الدم الملوث الذي طعم به العالم العربي، هناك سبب مهم ألا وهو سعينا كعرب إلى الإصابة بمرض فقدان المناعة، فكثيرة هي الدول العربية التي فقدت نظام المناعة لعوامل داخلية وممارسات كان المسؤول الأول عنها النظام السياسي في تلك الدول، فهل من المعقول وبعد أكثر من خمسين عاماً من الاستقلال وخروج المستعمر تبقى بعض الدول العربية على الحالة التي لا أجد داعياً للتفصيل حولها. كم يسعد الإنسان اليوم عندما تقارن بلدنا الإمارات بالدول المتقدمة، وما تحقق فيها رغم الفترة البسيطة التي بدأنا فيها معركة التنمية. ويحق لكل عربي يعيش بين أهله العرب في الإمارات أن يتساءل لماذا نجحت الدولة وفشلت الكثير من دول العرب في تحقيق بعض ما تم إنجازه على تراب الإمارات؟ لاشك أن الحكام لهم فضل ينبغي الإشارة له في هذه الحالة، وفي المقابل هناك إصبع اتهام يُشار به إلى بعض أنظمة الحكم العربية التي تخلت عن شعوبها في معركة التنمية والبناء، وجعلت هذه الشعوب الكريمة تعاني من شتى أمراض نقص المناعة. خلاصة الحديث لقد جرب العرب بعض المسكنات للتعامل مع داء "الإيدز" الذي ابتلينا به، فهناك جرعات من الأدوية المسكنة التي تعطى لهم بكميات بسيطة ويتحكم فيها غيرنا، فهناك اتفاقيات سلام هزيلة ينفذ منها الطرف الآخر ما شاء ويرد جلها، لكن هل من المعقول أن نعالج المرض الخطير بهذه المسكنات أم آن لنا أن نعود إلى جسمنا العربي من جديد كي نقوي نظام المناعة وعندها فقط سننجح في التعامل مع الآخر كطرف قوي يفرض شروطه في عالم لن ينجح فيه إلا الأقوياء بكل ما تحمله كلمة القوة من معانٍ؟