باستثناء بعض الجهات الرسمية التي تنظم- دورياً- برامج تدريبية متخصصة للخريجين والباحثين عن فرص عمل من المواطنين، هناك أوجه قصور واضحة في قطاع التدريب بالدولة لا بد من معالجتها، كي يمكن تعزيز فرص مواطنينا في سوق العمل المحلية التي تتمتع بتنافسية هائلة. وهناك العديد من المتطلبات التي يحتاجها قطاع التدريب، لعل أهمها على الإطلاق السيطرة على الفوضى السائدة بين المعاهد التي تتخذ من برامج التدريب التأهيلي والتحويلي تجارة رائجة تدرّ عليها عشرات الملايين من الدراهم من دون مردود حقيقي على شباب المواطنين والاقتصاد الوطني، حيث تنتشر إعلانات التدريب بكثافة من دون ضوابط أو سيطرة أو رقابة حكومية تضمن للشباب جدية هذه البرامج والتزام المعاهد المنفّذة بمعايير قياسية في تنفيذها. والأمر الثاني تعزيز ميزانيات برامج التدريب الحكومية التي تنفّذها بعض القطاعات الحكومية مثل هيئة "تنمية" وغيرها لتمكينها من تعزيز إمكانياتها وقدراتها التدريبية، ومن هنا تأتي أهمية التوصية التي رفعتها وزارة العمل بشأن تحصيل 60 ألف درهم سنوياً من الشركات التي لا ترغب بتعيين مواطن في مهنة السكرتارية، على أن يخصص عائد هذه المبالغ لتأهيل وتدريب الباحثين عن عمل لإدماجهم في سوق العمل ضمن الوظائف المستهدف توطينها. وفيما لو تم تعميم هذه التوصية على وظائف ومهن أخرى بعد استيفاء وبناء قاعدة معلوماتية متكاملة حول العمالة المواطنة لحصر البطالة بدقة، وحظر التشغيل والتوظيف في المهن التي يوجد على قائمتها مواطنون عاطلون عن العمل، فيما لو تم ذلك لأمكن توفير موارد ذاتية تتيح تنظيم برامج تدريبية عالية المستوى، وأيضاً يمكن أن يموّل هذا المردود على المدى البعيد برامج ائتمان للمشروعات الشبابية الصناعية الصغيرة من دون قروض. وبموازاة ذلك كله لا بد من إعادة توجيه برامج التعليم ومخرجاته، بحيث تتسم بالمرونة الفائقة وتتماشى على المدى البعيد، ووفقاً لخطط ودراسات تعد بعناية، مع احتياجات سوق العمل المحلية الفعلية، لا سيما في ظل تغيرات هيكلية متوقعة في هذه السوق تركز على تنامي الأنشطة المصرفية وأنشطة السفر والسياحة والبناء والفندقة وإدارة العقارات والأنشطة ذات الصلة بالبورصات، وبعض الصناعات التي بدأت تتمركز وتتوطّن على أرض البلاد، على ألا يتم التخطيط بشكل عشوائي لفرص العمل المستقبلية المتاحة، بل يتم التنسيق بين الجامعات والجهات الرسمية المتخصصة التي تمتلك أرقاماً وإحصاءات دقيقة حول المشروعات المنفّذة، والتي يزمع تنفيذها في المستقبل القريب، بحيث تتوافق خطط التعليم مع ما هو متاح على أرض الواقع مستقبلاً من فرص عمل، ويتم تقليص برامج التدريب تدريجياً، وتوجيه ميزانياتها إلى أوجه إنفاق أخرى. إذا كان الاستثمار في التعليم مشروعنا الحالي والمستقبلي، فإن التدريب هو بوابة استثمار موازية لتعزيز قدرات الوطن في مجال الاستفادة من قدرات مواطنيه ومهاراتهم، وتوفير العمالة المواطنة المستدامة لما تفرزه مسيرة النهضة والتنمية من فرص عمل مستقبلية. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.