كنت أنوي أن أكتب عن الأسباب الحقيقية التي أدت إلى ما يسمى الآن الحرب السادسة ونتائجها الثابتة، ولكن آثرت الانتظار إلى أن تكتمل الظاهرة، على أن أقدم للقراء رؤية الصحافة الإسرائيلية لهذه الحرب. أجرى عكيفا ألدار (هآرتس 18/7/2006) مع اللواء "أدري ساجي" رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش طوال أربع سنوات (1991 – 1995)، كما كان أيضاً قائداً للمنطقة الجنوبية وللقوات البرية، أي أنه شخصية عسكرية بارزة. ركز اللواء "ساجي" في المقابلة على مفهوم قصور القوة (أي عجز القوة العسكرية عن تحقيق الأجندة السياسية) وعلى تصور المؤسسة الصهيونية أنها عندها كل ما تحتاجه من الوقت لتصفية "حزب الله"، وأن الشعب الإسرائيلي عنده مقدرة على التحمل. يرفض "ساجي" كل هذا ويقول: "من يقول إننا نملك كل الوقت الذي في العالم، لا يقول الحقيقة لنفسه ولا لمواطني إسرائيل. كم هي المرة التي سنتمكن فيها من الاستمرار في هذا الوضع؟ لابد أن نبدأ في التفاوض بأسرع وقت ممكن لأننا سنضطر الي القيام بذلك إن آجلاً أو عاجلاً. عمليات سلاح الجو مهمة، إلا أنها ليست كافية لتصفية كل البني التحتية التابعة لـ"حزب الله"، وهذا الأمر يتطلب الدخول البري الذي أعارضه بشدة. "لدى حزب الله قدرة على التحمل والصبر. هم يراكمون الانجازات مثل ضرب مدينة كبيرة كحيفا وشل حركة خُمس سكان اسرائيل بصورة مستمرة". ويؤكد ساجي أن عملية الحساب والعقاب (حين قامت إسرائيل بغزو لبنان في الثمانينيات) "لم تغير الوضع الاستراتيجي في تلك الجبهة، إلا أن العملية نجحت في تجذير العلاقات مع حزب الله طوال سنوات. اليوم يعتقد صانعو القرار أنهم يعرفون كل شيء، وهم يعيشون في وهم أن اسرائيل قادرة على مواصلة الهجمات كيفما شاءت وأن شيئا لن يحدث في العالم". ويُبين "سيفر بلوتسكر" عبثية الحملة العسكرية الإسرائيلية في مقال له بعنوان "كم حلمنا بالخروج من هناك" (موقع يديعوت أحرونوت الإلكتروني 15/7/2006): "لقد نسينا أن في المحيط الذي نعيش فيه، تعتبر تسمية "الحرب الأخيرة" تسمية مؤقتة: الأخيرة انتهت والتالية لها تبدأ. وها هي مرة أخرى في انتظارنا. لقد انتهت الأوهام. والماضي يعود. ونحن نستيقظ ونجد أنفسنا داخل فيلم حربي قديم، يتم بثه من جديد. وجميعنا يعرف ويتذكر خاتمة هذا الفيلم. ومع ذلك فإن هذا ليس فيلماً، إنه الواقع. قتلى، جرحى. والحرب التي لم تشبع أبدا عادت إلينا في هذا المكان ثانية. "كم مرة في حياة دولة "إسرائيل" قصفنا مطار بيروت؟ مطار الدهينية؟ "أهداف البنى التحتية" في لبنان وغزة؟ مئات؟ آلاف؟ مرات لا حصر لها خرجت طائراتنا لتلقين حكومة لبنان درساً كي "تتحمل مسؤولياتها" و"تسيطر على جنوب لبنان" و"تجريد سلاح" حركة "فتح" في السبعينيات و"حزب الله" في التسعينيات. وهي لم تفعل ذلك، لا في الماضي ولا اليوم. ومرات لا حصر لها اجتازت جنازير دباباتنا قطاع غزة وقطعت أوصاله بشكل أو بآخر، من أجل أن يعاني السكان إلى أن يتقيأوا من داخلهم الإرهابيين ويحرقوا مخابئهم. إنهم لم يفعلوا ذلك لا في الماضي ولا في الحاضر. ومرات لا عد لها ولا حصر أعطى قادتنا الأوامر للعمل الانتقامي الكبير والساحق، عمل لم يسبق له مثيل، يهز الأرض تحت أقدامهم، ويجعل العدو يزحف على أربع، مضروباً ومهاناً، يرجونا السلام بشروطنا ووفق إرادتنا فقط. ولكن هذا العدو لم يأت منذ ذلك الحين، وهو لن يأتي الآن. كما أن السلام لم يأت، على رغم أننا كنا قريبين منه مرات كثيرة جداً. كان على مرمى حجر منا. وعاد وأفلت من بين أيدينا، تاركاً خلفه الخراب، والآمال المتبددة. يأس. واليأس هذه المرة أعظم." أما "ايتان هابر" في يديعوت أحرونوت (16/7/2006) فيسأل "ما هي النهاية؟": "الناس في إسرائيل يقولون لأنفسهم وللناس من حولهم: لقد قمنا باحتلال قطاع غزة لمدة أربعين عاما، وقد جلسنا وعشنا فيها طوال هذه السنوات الأربعين، ولا شيء في كراهية المواطنين قد تغير إزاء اسرائيل، ولم نتقدم كذلك باتجاه السلام، وبعد أربعين سنة داخل غزة، اتخذنا القرار بالخروج منها. خرجنا من غزة، من شوارعها وصواريخها ومخيماتها، وخلفنا وراء ظهورنا مدنا إسرائيلية خربة وآلاف المواطنين الذين استبحنا ثقتهم وخُنا قاعدة إيمانهم الأساسية بنا، كدولة، ولا شيء تغير في نسبة وجوهر كراهية المواطنين الفلسطينيين لإسرائيل. وكذلك، فاننا لم نتقدم مطلقا نحو السلام المنشود." "نفس هذه الأقوال تُقال بالنسبة لموضوع لبنان: لقد كنا هناك، وكان ذلك سيئاً جداً بالنسبة لنا، وبعدها، خرجنا من هناك، وهذا أيضاً كان سيئاً بالنسبة لنا. والآن، على خلفية الكاتيوشا المدمرة، فان الاسرائيليين يسألون أنفسهم ومن حولهم أيضاً: ماذا سيطلب منا أيضا وماذا سنفعل غير ما نفعله الآن؟." ومن أكثر المقالات مرارة مقال "اسحق لينور" (هآرتس 18/7/2006) بعنوان "قادة الجيش يقودوننا لحرب فاشلة ولا يفكرون إلا بالانتقام" وهناك عنوان جانبي ربما قد يكون أكثر أهمية ودلالة: "أميركا تدمر العراق ولن تعيش فيه...أما نحن فندمر لبنان وسنعيش فيه": الحرب الحالية ليست قادرة على الاستجابة الحقيقية لمشاكل إسرائيل، فهي تنفذ على يد تلك المجموعة المهزومة من الضباط، على أرض لبنان، والذين لم يسووا حساباتهم مع ذلك البلد. تم تأليف كتب وظهرت حركة احتجاجية ولجنة تحقيق في مذبحة واحدة، وأُدين وزير الدفاع الذي تحول إلى رئيس وزراء فيما بعد، ومازال ظله الباهت متجسداً في شخص إيهود أولمرت وحاييم رامون وشركائهما وجيل آخر من الشبان المتحمسين الذي ترعرع من حولنا وتربى على شعارات "اضربوهم". بعد ذلك، عندما سيجلسون في السيارات المحترقة، ربما في سورية، وعندما يصرخون نريد العودة إلى بيوتنا، لن يمتلكوا الحكم والقوة لتوريث الخوف من الحرب للأجيال القادمة لأن نفس الجنرالات من حملة نفس النظرية الجاهزة سيبقون أمام شاشات التلفزة وسيحظون بنفس التعاطف من الجمهور الذي لا يعرف إلا شعار "لنضربهم" الذي علموه إياه. "عيران ليرمان"، مدير قسم الشرق الأوسط في ايباك (اللوبي اليهودي في أميركا)، يوصي من الآن بشن الحرب على سورية. من يصغي إلى الأحاديث حول الحاجة لمهاجمة سورية (باسم الإستراتيجية) يدرك أن الإستراتيجية بالنسبة لهؤلاء الناس تعني توسيع دائرة القتال بما في ذلك ضرب السكان. ما يوجد لدى الإستراتيجية في اسرائيل هو اقتراح تدمير بلد آخر. علينا أن نتجنب ظهور جيل من الزعران الذي تتلمذ على يد جنرالات التلفاز، وأن نبتعد عن الجرائم التي تنفذ باسمنا جميعاً. يكفي أن نرى تدمير العراق وما نجم عنه. الأميركيون لا ينوون العيش هنا، أما نحن فنعيش فيها. وهل فكر من أطلق الأيدي على الزناد بالضحايا في الشمال والجنود المخطوفين؟ لا. هذه اليد فكرت بالانتقام فقط، فمن الذي يستطيع أن يكبح جماح الجيش؟ المعارضة الإسرائيلية فقط. ولذا فقادة الجيش يحذرون من مثل هذه المعارضة. والله أعلم.