يبدي معظم الأميركيين تشاؤماً كبيراً حيال الأوضاع المتردية في الشرق الأوسط، حيث شككت الغالبية العظمى منهم في إمكانية إحلال السلام بين إسرائيل وجيرانها في المستقبل القريب، أو أن تتمكن القوات الأميركية من مغادرة العراق في القريب العاجل حسب ما كشف عنه آخر استطلاع للرأي أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" وقناة "سي.بي.إس. نيوز" الاخبارية. فقد عبرت أغلبية المستجوبين عن تخوفها من اتساع رقعة الحرب في الشرق الأوسط، وبينما أيد نصف المستجوبين تقريباً سياسة الرئيس بوش في معالجة الأزمة الحالية بين لبنان و"حزب الله"، فضل أغلبية الأميركيين الذين شملهم استطلاع الرأي أن تبتعد بلادهم عن مشكلات الشرق الأوسط، وتترك أصحابها يتدبرون حلها. وإجمالاً كشف استطلاع الرأي عن وجود ميل انعزالي قوي لدى الأميركيين ناتج عن أربع سنوات من الحروب خاضتها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ويشير هذا الميل أيضاً إلى الصعوبات التي بات يواجهها الرئيس بوش في حشد التأييد الشعبي لبقاء قواته فترة أطول في العراق والعمل على فرض الأمن ونشر الديمقراطية في الشرق الأوسط. الأكثر من ذلك تأتي هذه النتائج السلبية التي كشف عنها استطلاع الرأي تجاه السياسية الخارجية الأميركية، لتسلط الضوء على نقاط الضعف التي يتعين على الحزب "الجمهوري" معالجتها قبل خوض انتخابات الكونجرس في شهر نوفمبر المقبل. وفي هذا الإطار أظهر استطلاع الرأي أن 56% من المستجوبين يساندون فكرة وضع جدول زمني محدد لسحب القوات الأميركية من العراق وإعادتها إلى أرض الوطن، وهي النقطة التي كانت محط جدل كبير بين الحزبين "الجمهوري" و"الديمقراطي"، في ظل إصرار "الجمهوريين" على إبقاء الجنود الأميركيين في العراق لفترة أطول وتحذيرهم من أن الاستعجال في سحبهم قد يبعث برسالة خاطئة إلى المتمردين. ومع ذلك أبدى أكثر من نصف المستجوبين تأييدهم لسحب القوات الأميركية حتى لو أدى إلى سقوط العراق في أيدي المتمردين. وكشف استطلاع الرأي أيضاً أن الأميركيين يدعمون فكرة نشر قوات دولية لحفظ السلام على الحدود بين لبنان وإسرائيل لتهدئة التوتر المستفحل هناك، لكن الأغلبية لا تحبذ فكرة مشاركة قوات أميركية في عملية حفظ السلام. وبهامش كبير أظهر استطلاع الرأي أن الأميركيين لا يرغبون في أن تلعب بلادهم دوراً كبيراً في الشرق الأوسط، محبذين عدم انخراطها في حل النزاعات الدولية. فقد عبر 59% من المستجوبين عن رفض تورط الولايات المتحدة في الصراعات العالمية، بينما أبدى 31% فقط تأييدهم لفكرة التدخل الأميركي في العالم. وتختلف النتائج الحالية عن تلك التي كشف عنها استطلاع آخر للرأي كانت قد أجرته "سي. بي إس نيوز" عقب هجمات 11 سبتمبر حيث كانت النسبة متساوية بين المؤيدين والرافضين للتدخل الأميركي في العالم. واللافت أن استطلاع الرأي الأخير أظهر مساندة قوية للطريقة التي تعامل بها الرئيس بوش مع إسرائيل خلال الأزمة الأخيرة، إذ وصلت نسبة التأييد إلى 47% مقابل 27% من الذين رفضوا أسلوب معالجة الرئيس للمشكلة في الشرق الأوسط، بينما أعرب 26% عن عدم معرفتهم ما إذا كان بوش قد أحسن التصرف، أم لا. ويذكر أن شعبية بوش عرفت ارتفاعاً طفيفاً منذ استطلاع الرأي الذي أجرته "نيويورك تايمز" و"سي.بي.إس نيوز" في شهر مايو الماضي، محيلاً إلى ارتفاع في معدل تأييد الرئيس بوش ببضع نقاط مقارنة مع استطلاعات الرأي السابقة. فقد عبر 36% من المستجوبين عن رضاهم على عمل الرئيس بوش مقارنة مع نسبة 31% في شهر مايو الماضي. لكن مع استمرار نسبة كبيرة من الناقمين على سياسة الرئيس بوش التي تصل إلى 55% لا يرقى الارتفاع الطفيف في شعبية الرئيس، الذي أشار إليه استطلاع الرأي، إلى مستوى يجعل الرئيس مطمئنا حيال انتخابات الكونجرس المقبلة. وفيما يمكن اعتباره إشارة خطيرة إلى الأعضاء الحاليين في الكونجرس أبدى ضعفا المستجوبين استياءهم من الوجهة التي تتخذها بلادهم في الوقت الراهن. ولم يؤيد سياسة بوش الخارجية سوى 35% من المستطلعة آراؤهم، كما أن أغلبية المستجوبين شككوا في مدى احترام القادة الأجانب للرئيس بوش. وحتى فيما يخص الدعم الشعبي للتأييد الواضح الذي عبر عنه الرئيس بوش إزاء إسرائيل لم يتجاوز 39% مقابل 40% التي رأت أنه على الولايات المتحدة أن تنأى بنفسها عن الصراع في الشرق الأوسط. وقد اعتمد استطلاع الرأي على المكالمات الهاتفية وامتد من الفترة بين 12 إلى 15 من هذا الشهر وشمل 1127 شخصا بهامش خطأ يتراوح بين ثلاث نقط سلبا أو إيجابا. هذا وقد أجري استطلاع الرأي في وقت كانت المواجهات بدأت بين "حزب الله" وإسرائيل، وكانت أعمال العنف في العراق وصلت إلى مستويات خطيرة، وهي كلها أحداث تحظى بتغطية إعلامية واسعة ولاشك أنها أثرت بشكل، أو بآخر على نتائج استطلاع الرأي. وفي لازمة بات يكررها العديد من الأميركيين وأعادها المستجوبون في استطلاع الرأي تخص الأزمة الحالية بين "حزب الله" وإسرائيل قال "شارون شيرلو"، أحد العمال المتقاعدين من ولاية أوهايو: "دعوا الإسرائيليين يتدبرون أمرهم في منطقتهم، علينا أن نظل بعيدا لأن قواتنا منتشرة في أكثر من مكان في العالم". وحتى لو لم تحمل نتائج استطلاع الرأي أنباء جيدة بالنسبة لـ"الجمهوريين" وسياساتهم الخارجية، لكنهم يشيرون إلى الارتفاع الطفيف في شعبية الرئيس بوش مقارنة مع الأرقام المتدنية في الشهور السابقة. جيم روتنبورج وميجان ثي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محررا الشؤون الخارجية في "نيويورك تايمز" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز