غداً الأحد 30 يوليو الجاري, تصوت جمهورية الكونغو الديمقراطية في أول انتخابات رئاسية حرة تجريها خلال 46 عاماً من تاريخها الحديث. ويعلق مواطنو هذه الدولة الغنية بالمعادن الطبيعية في وسط القارة الإفريقية آمالاً عراضاً على هذه الانتخابات الرئاسية التاريخية, عساها تكون خطوة جادة نحو الديمقراطية والتنمية والاستقرار, وتمهد الطريق أمام وضع حد نهائي لدوامة العنف وسوء الحكم الذي ساد البلاد على امتداد عدة عقود. وعلى طول البلاد وعرضها, جرى تسجيل 25.7 مليون ناخب للإدلاء بأصواتهم لـ33 مرشحاً رئاسياً, و9.700 ألف مرشح للمقاعد البرلمانية. لكن ومع توفر طريق معبّد واحد بطول 300 ميل, في دولة تقدر مساحتها بربع مساحة الولايات المتحدة الأميركية, وتغطيها نصف الغابات الإفريقية, فقد تطلب ترحيل صناديق الاقتراع وتوزيعها في مختلف مراكز التصويت فيها, تنظيم ما يزيد على 75 رحلة جوية, فضلاً عن تسيير عدد لا يحصى من الرحلات البرية التي استخدمت فيها سيارات الدفع الرباعي. وحتى بعد حملة توعية انتخابية مكثفة جرى تنظيمها خلال الأسابيع الماضية, فإنه ليس مستبعداً أن يتجمع الناخبون لحظة الاقتراع لمناقشة أفضل السبل التي تمكنهم من الإدلاء الصحيح بأصواتهم لمرشحيهم. ولا ريب أن هناك عدة تحديات لوجستية وأمنية تحيط بهذه الحملة الانتخابية, إلى جانب تنبؤات مبكرة بالتزوير وممارسات الفساد, واحتمال نشوب أحداث عنف متفرقة هنا وهناك, مصحوبة بالمقاطعات المحتملة من قبل الجماعات المعارضة, إلا أن غالبية الكونغوليين –لا سيما في الجزء الشرقي الذي مزقت أوصاله عقود العنف والحرب الأهلية- تبدي تفاؤلاً كبيراً إزاء النتائج التي ستسفر عنها. من هؤلاء قال لي الناخب "بولين ميوريمو"، وهو شاب عاطل عن العمل ويبلغ من العمر 37 عاماً من مدينة "بوكافو" بشرقي الكونغو, إنه سيصوت لصالح المرشح "جوزيف كابيلا" لأنه "جلب لنا السلام" ولا شك أنه "سيجلب لنا الوظائف" عندما يصبح رئيساً لبلادنا. والمعروف أن "جوزيف كابيلا" حفيد الرئيس القتيل السابق "لوران كابيلا", يحظى بشعبية واسعة النطاق هنا في هذا الجزء الشرقي من الكونغو. وبسبب سيطرته المطلقة على الإعلام الحكومي, فقد انفرد وحده بكونه المرشح الذائع الصيت على امتداد البلاد كلها, ما أكسبه موقعاً انتخابياً متقدماً على غيره من المرشحين الرئاسيين. هذا وينظر الكثيرون إلى انتخابات غد الأحد هذه, على أنها تشكل خطوة بالغة الأهمية في منع الكونغو من الانزلاق مجدداً إلى موجة عنف ودوامة حرب أهلية خطيرة, ربما تمتد لعدة عقود أخرى, قد تنقل آثارها الأمنية والسياسية المدمرة لعدة دول إفريقية مجاورة. وتعد هذه الانتخابات الأعلى تكلفة في تاريخ الانتخابات الإفريقية, إذ كلفت المجتمع الدولي مبلغاً مالياً يقدر بنحو 432 مليون دولار, مع ملاحظة أنها تأخرت لمدة عام كامل عن موعدها المقرر لها أصلاً. ولا تعني هذه القيمة الاستثمارية العالية التي أنفقها المجتمع الدولي على مشروع الاستقرار والتحول الديمقراطي في الكونغو, سوى أنه ليس في وسعه السماح لمشروعه هذا بالفشل على أية حال. ذلك هو ما أكده لي دبلوماسي غربي مقيم في العاصمة الكونغولية بقوله: إن هذه التكلفة الباهظة سواء كانت مالية أم من ناحيتي الوقت والجهد المبذولين فيها, إنما تعني أنه لا سبيل إلا لإجراء وإنجاح عملية التصويت هذه, رغم كل المخاطر الأمنية المحيطة بالجزء الشرقي من البلاد, وعلى رغم كل مزاعم الفساد والانحرافات الانتخابية التي سبقتها. وفي هذا الجزء الحدودي من الكونغو كانت قد دارت رحى الحرب الأهلية واندلعت شرارة العنف الأولى في عام 1996 ثم تجددت تارة أخرى في عام 1998. وما أن حل عام 2002, حتى أبرمت اتفاقية للسلام بين الأطراف المتحاربة, بيد أنها لم تكن سوى اتفاق على الورق لا أكثر. والمعروف أن دوامة العنف الأخيرة التي بدأت في عام 1998, خلفت وراءها نحواً من 3.9 مليون قتيل, راح معظمهم متأثراً بالأمراض وسوء التغذية, أكثر من كونهم ضحايا العنف المباشر. ووفقاً لإحصاءات وتقارير "لجنة الإنقاذ الدولية" فإن هناك ما يقدر بحوالي 1200 مواطن يموتون يومياً في الكونغو حتى الآن. تأكيداً لهذا قال السيد "خافير بارودو" نائب مدير البرنامج الأفريقي للجنة الإنقاذ الدولية: فالمشكلة أننا نعيش حالة سلام من الناحية القانونية, إلا أن الواقع يقول إننا لا نزال في مرحلة الحرب, بالنظر إلى تأثيرات العنف المباشر وغير المباشر على المواطنين هنا. وحتى هذه اللحظة لا تزال الميليشيات المتمردة– بدعم رواندي وأوغندي- تجوب الجزء الشرقي من الكونغو, بينما تبسط حكومة مركزية مزعزة وقوات نظامية مهلهلة نفوذها على العاصمة كنشاسا وما جاورها. ومنذ إبرام اتفاقية السلام في عام 2002, أنفق المجتمع الدولي على الكونغو 6 مليارات دولار في شكل مساعدات إنسانية, بينما نشرت الأمم المتحدة أكبر قوة دولية لحفظ السلام فيها, في ذات الوقت الذي أنفقت فيه ما يربو على المليار دولار خلال العام الحالي وحده, على القوة الدولية نفسها. فهل تفتح الانتخابات طريقاً آخر للسلام والاستقرار في الكونغو؟ تريستان ماكونيل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" في باكوفو-الكونغو ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"