بينما يشتد أوار الحرب المستعرة على الجبهة اللبنانية بين "حزب الله" وإسرائيل يبدو أن النزاع الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية بدأ يتراجع إلى الصفوف الخلفية بعد ست سنوات على اندلاع الانتفاضة الفلسطينية ضد الدولة العبرية. وقد ساهمت أيضاً المواجهات الدامية بين الميليشيا الشيعية "حزب الله" وإسرائيل في تسليط الضوء على التحالف بين الحزب وإيران في المنطقة كأحد المتغيرات الاستراتيجية المهمة في الشرق الأوسط وألقت بظلالها على الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي بعدما دفعت به إلى المؤخرة، أو جعلته يظهر كجزء من هذا التحالف. ففي بعض الأحيان تم الربط بين التوصل إلى اتفاق بين الفلسطينيين وإسرائيل ينهي النزاع بينهما وبين حل المسألة اللبنانية ووضع حد للعنف المستشري على الحدود الشمالية لإسرائيل. وفي هذا الإطار يقول عمر شعبان، محلل سياسي من غزة "على الفلسطينيين أن يثبتوا بأنهم ليسوا في نفس الوادي مع "حزب الله"، وبأنهم لن يتحملوا العقاب نيابة عن لبنان"، مضيفا "نحن لدينا أجندتنا السياسية التي تتطلب حلاً سياسياً للأزمة، أما ما يجري في لبنان فهو مختلف، بحيث لا يملك "حزب الله" أجندة سياسية، فإسرائيل لا تحتل لبنان كما تحتل الأراضي الفلسطينية". ويزعم الفلسطينيون بأن المواجهات الدائرة حالياً في لبنان أطلقت يد إسرائيل للإمعان في الاجتياحات داخل قطاع غزة وقتل العشرات من المدنيين العزل كرد على عملية اختطاف جندي إسرائيلي على يد عناصر مسلحة تنتمي إلى الجناح المسلح لحركة "حماس" نفذت في الشهر الماضي. ففي يوم الأربعاء الماضي أقدم الطيران الإسرائيلي وقذائف المدفعية الثقيلة على قتل 13 فلسطينيا، تزعم إسرائيل أن ثمانية منهم يشتبه في انتمائهم إلى جماعات مسلحة. غير أن أحد المتحدثين باسم "حماس" و"الجهاد الإسلامي" أعلن أنه من بين القتلى فتاة صغيرة. هذا ويشتد القصف الإسرائيلي على قطاع غزة في الوقت الذي يتفاقم فيه الوضع الاقتصادي بسبب المقاطعة الدولية للحكومة الفلسطينية التي تقودها "حماس"، وبسبب إغلاق المعابر الموصلة إلى غزة ومنع دخول المواد الغذائية في ظل النقص الحاد الذي تشهده غزة الدواء والغذاء. صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين ومستشار الرئيس محمود عباس يقول في هذا الإطار "جاءت أوقات ولحظات غابت فيها الأزمة الفلسطينية عن المشهد، والأكثر من ذلك أننا أصبحنا حرباً منسية، فمن يعلم بأن الفلسطينيين يقتلون كل يوم في غزة؟ ومن يسمع بذلك؟" من ناحيتها سعت وزيرة الخارجية الأميركية "كوندليزا رايس" خلال زيارتها القصيرة إلى رام الله ولقائها بالرئيس محمود عباس إلى تهدئة المخاوف الفلسطينية من أن قضيتهم لم تنسَ من قبل المجتمع الدولي، وبأنها مازالت حاضرة في صلب الانشغالات الدولية. وقالت في هذا السياق "حتى لو تم التوصل إلى حل للأزمة اللبنانية علينا أن نركز على مجريات الأمور في الأراضي الفلسطينية، ذلك أنه من الضروري إنهاء الأزمة في قطاع غزة". ومع ذلك لا يمكن إنكار تأثير الحرب الدائرة في شمال إسرائيل على الأزمة الفلسطينية حتى في أوساط الفلسطينيين أنفسهم. فعندما قامت "رايس" بزيارتها إلى رام الله والتقت بالرئيس محمود عباس سمع في خارج المبنى صوت الفلسطينيين يهتفون "لا لرايس ونعم لحزب الله". ويشار إلى أن زيارة كوندليزا رايس إلى الأراضي الفلسطينية تندرج في إطار الجهود الحثيثة التي تبذلها الدبلوماسية الأميركية لدعم الرئيس الفلسطيني المعتدل محمود عباس وتعزيز موقفه في الساحة الداخلية بعد الضربة القاسية التي تعرض لها إثر فوز "حماس" في الانتخابات التشريعية السابقة. وقد ذكر أحد المسؤولين الأميركيين أن لقاء رايس بمحمود عباس إنما جاء ليؤكد دور الرئيس الفلسطيني وأهميتة حضوره لحل الأزمة الحالية. ويتفق مع الطرح نفسه الصحفي الفلسطيني داوود قطب حيث يقول "يتعين على محمود عباس أن يثبت لشعبه أنه مازال لاعباً محورياً على الساحة الفلسطينية، وبأنه لا غنى عنه لأي حل في المستقبل. لذا عليه أن يقدم أكثر مما قدمته "حماس" عندما اختطفت الجندي الإسرائيلي". وهو ما يدركه جيداً محمود عباس الذي يبذل في هذه الأثناء قصارى جهده لاسترجاع المبادرة والمساعدة على التخفيف من الضائقة الاقتصادية التي يعيشها الشعب الفلسطيني. فقد تمكن مكتبه من الحصول على 50 مليون دولار من الجامعة العربية لتسديد جزء من الرواتب المتأخرة لموظفي السلطة الفلسطينية. كما أبلغ وزيرة الخارجية الأميركية خلال زيارتها الأخيرة إلى رام الله بأنه على الولايات المتحدة، وهي تبحث عن الجذور الحقيقية للصراع في الشرق الأوسط، أن تعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية للتمكن من إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. جوشوا ميتنيك مراسل "كريستيان ساينس مونيتور" في الضفة الغربية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"