ليس مصادفة أن تندلع حرائق في المنطقة العربية بهذه الصورة الخطيرة، وأن تصل الأحداث إلى هذا المستوى من الترابط والتشابه، بين ما يقع في العراق وفلسطين ولبنان، دون أن تكون هناك أهداف استراتيجية تصل إلى حد المؤامرة ضد ديار العرب والإسلام. وحتى لا يظن البعض أنني من الذين يستسلمون بسهولة لمفهوم التفسير التآمري، فإني أدعوهم إلى مراجعة التاريخ وأحداثه الرئيسية خلال القرون الأخيرة بدقة، وقراءة مذكرات ومؤلفات قادة الغرب ومفكريه التي يتحدثون فيها بصراحة عن بعض الأهداف والمشاريع المتصلة بالعالم العربي، وأرجو منهم أن يراجعوا ما حدث عندما سقطت الأندلس وعندما سقطت الخلافة العثمانية، وأن يقرأوا تاريخنا المعاصر الذي أثبتت الأحداث والوثائق والدراسات الدقيقة، صدق وجود فرضية المؤامرة في الكثير من أحداثه، ولعل أهمها: 1- اغتصاب فلسطين: وما حدث خلاله من تآمر صهيوني بريطاني وتآمر دولي واسع، ساعد بقوة في خلق الكيان الإسرائيلي كي يمثل دور "كلب الحراسة" لمصالح الغرب الاستعمارية في المنطقة العربية. ويكفي هنا أن نشير إلى ما قاله الأكاديمي البرازيلي خوسيه آرثر جيانوتي من "أن تاريخ الشرق الأوسط كان يمكن أن يكون مختلفاً كلياً من دون دولة إسرائيل التي نكأت جرحاً بين الإسلام والغرب، إذ أن وجودها هو أكبر مصدر للإرهاب". وكذلك ما قاله توني جوث مدير معهد "رامارك" في جامعة نيويورك: "إن إسرائيل نشاز وخطأ في التاريخ، من دونها كان العالم العربي-الإسلامي الممتد من الجزائر إلى مصر ومن سوريا إلى باكستان، سيكون أسعد بكثير". 2- غزو العراق: وقد أثبتت الاعترافات والوثائق والدراسات العديدة، أن غزو العراق لم يكن بسبب أسلحة الدمار الشامل المزعومة، أو تغيير النظام أو موضوع الإرهاب، بل كان خطة استراتيجية عدوانية معدة منذ زمن طويل، ومدرجة ضمن برنامج السياسة الأميركية. وحسب استنتاجات مايكل كولينز بايبر في كتابه "كهنة الحرب الكبار"، فإن ذلك الغزو كان الخطوة الأولى في مسلسل لتنفيذ خطة ضد الوطن العربي، من أجل إعادة تشكيله لتأمين بقاء وهيمنة إسرائيل وتوسيع قوتها، وإن الهدف المرحلي الأول من هذه الخطة هو القضاء على دول عربية وإسلامية عن طريق الاحتلال العسكري أو عن طريق إخضاعها والتحكم بها عبر القوة العسكرية والسياسية الأميركية، بالتعاون مع إسرائيل، وإن هذه الخطة هي تنفيذ للحلم الصهيوني التاريخي بإنشاء إسرائيل العظمى بصورة عصرية ومعدلة، لكي تتوافق مع رغبات شركات البترول العالمية للمساهمة مع إسرائيل في السيطرة على الدول العربية وبخاصة المنتجة للبترول". 3- وحتى يكون مسلسل التآمر واضحاً أكثر، فإن العدوان الأخير على لبنان، يمثل أكبر دلالة على مدى دقة وعمق تحرك ذلك المخطط وتغلغله داخل الجسد العربي، حيث كشفت الصحافة الإسرائيلية أن خطة الهجوم على لبنان كانت مبيتة، ولم تكن بسبب الجنود الأسرى، كانت موضوعة منذ أن كان موفاز وزير الدفاع الإسرائيلي السابق رئيساً لأركان الجيش، وإنها قائمة منذ هزيمة إسرائيل في الجنوب اللبناني، وأن الجيش الإسرائيلي قام بالتدريب على تنفيذ هذه الخطة قبل شهرين فقط، وأجرى عدة مناورات. وكل ما تريده إسرائيل الآن، حسب استنتاجات المؤرخ الإسرائيلي ابلان بابه، هو استكمال حالة التطهير العرقي الذي بدأته عام 1948. بل إن الكاتب الإسرائيلي سيفير بلوكر، كان أكثر صراحة عندما قال في صحيفة "يديعوت أحرونوت" إنه "إذا خرج قادة حماس وحزب الله سالمين من هذه الحرب فستكون نهاية إسرائيل"! إن حلم دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات، في ظل وضع التمزق والتردي الذي يمر به الوطن العربي، صار اليوم أقرب إلى الحقيقة، وهذا باعتراف القس ستيفن سايزر رئيس الجمعية الإنجيلية الدولية. والخوف كل الخوف هو من أن يعلن الكيان الصهيوني، في ظل هذا الضعف الذي نعاني منه، القدس عاصمة لإسرائيل ثم تنتقل إليها سفارات الدول، ويظل الوطن العربي أسيراً في يد الهيمنة الصهيونية والمشروع الاستعماري الذي أصبح يهيمن على أجزاء كثيرة من العالم النامي.