رغم أن هذا الكتاب، "قوة العقل" لمؤلفته "أوريانا فيلاشي"، قد طُبع على عجل بعد أن تمت ترجمته إلى الإنجليزية بأسلوب يفتقر إلى الدقة والرشاقة من لغته الأصلية الإيطالية، فإن النقاد الأوروبيين يقولون إنه مع ذلك يمكن تصنيفه من ضمن الكتب التي تدافع عن الحضارة الغربية ضد التأثيرات التي تهب عليها من الجنوب والشرق، وأخطرها غزو النسخة الجهادية من الإسلام، لقلب أوروبا، وبدرجة أقل لأميركا. وتشن الكاتبة هجوماً شديداً على من تطلق عليهم المتواطئين والمتعاونين الأوروبيين الذين فتحوا الطريق أمام هذه الغزوات، وهي تقصد أحزاب اليسار، وبيروقراطيي الاتحاد الأوروبي، والصحفيين، ومؤسسة الكنيسة الكاثوليكية... وهي لا تكتفي بهذه القائمة بل تضيف إليها من أطلقت عليهم "شيوعو الكافيار" في هوليوود، أي الشيوعيين الذين يعيشون حياة رغدة في هوليوود وغيرها من الأماكن الراقية. فهذه القوى جميعاً، وبدون استثناء، ساهمت في خلق مناخ يتم فيه نبذ واستبعاد وإرهاب، بل والتهديد بفرض عقوبات قانونية ضد أي أحد يحتج على ما يتم اتخاذه من سياسات وإجراءات، وما يجري من وقائع وأحداث، تؤدي حتما إلى الموت البطيء للحضارة الغربية، وذلك بسبب تسرب الإسلام في نسخته الجهادية، وبسبب السياسات الغربية التي تمنح المسلمين أوضاعاً خاصة، لدرجة أن الكاتبة نفسها تقول إنها رغم مرضها بالسرطان، فهي مهددة بالمحاكمة لتجرئها على انتقاد الإسلام. والكاتبة تربط بين الوضع الحالي وبين السياسات التي تمت صياغتها في عقد السبعينيات من القرن الماضي، عندما قامت دول أوروبا الرئيسية بالتحالف مع دول الشرق الأوسط، لتسهيل هجرة المسلمين إلى أوروبا ومنحهم أفضلية عن غيرهم من باقي المهاجرين، مقابل صفقات لتزويد تلك الدول بالنفط الذي كانت أسعاره قد ارتفعت ارتفاعاً كبيراً حينذاك. وتذهب المؤلفة إلى القول بأن اليسار الأوروبي قام في ذلك الوقت فعلياً بمقايضة الحضارة الغربية وقيمها، في مقابل براميل النفط، وهي العلمية التي تقول المؤلفة إنها استمرت بعد ذلك طيلة العقود اللاحقة حتى وصلت إلى المرحلة الحرجة التي وصلت إليها في وقتنا الراهن. وعند محاولتها الإجابة على السؤال الخاص بالسبب الذي جعل اليسار الأوروبي يجد أرضية مشتركة مع "الفاشية الإسلامية"، فإنها تذهب إلى القول بأن المبادئ الشيوعية التي يتبناها هذا اليسار تهدف في الجوهر إلى تدمير البرجوازية الأوروبية التي تشكل جزءا جوهرياً من مكونات الحضارة الأوروبية، وأنها تلتقي مع الإسلام في ذلك، إذ يهدف هو أيضاً إلى تدمير الحضارة الأوروبية كلها، بما فيها وبما تمثله وتنطوي عليه وتضمه من مكونات! وترى الكاتبة أن الرأي العام الأوروبي الذي كذب عليه ساسته، وأرهبته صفوته السياسية والإعلامية، لم يكن لديه فكرة عما يدور بالضبط، وأن الحال قد استمر كذلك إلى أن أصبح الوقت متأخراً جداً. فعندما استيقظ الرأي العام في نهاية المطاف فإنه اكتشف فجأة حجم المشكلات الجسيمة التي أدت إليها الهجرة الإسلامية الكثيفة إلى أوروبا، وجاء هذا الاكتشاف في وقت لم تكن هناك حلول كثيرة متاحة في الأفق. وتقول الكاتبة إنها وجدت من الضروري أن تقوم هي وغيرها بتوجيه نداء استنهاض يدعو الجميع إلى الدفاع عن ما تطلق عليه "قيم الحضارة الغربية"، وعلى رأسها الحرية التي يعتز بها الأوروبيون جميعاً، وذلك ضد التهديد المتصاعد لـ"النسخة المتطرفة من الإسلام". ولكن الكاتبة تذهب بعيداً عندما تقول إنها لا تؤمن بوجود شيء اسمه "الإسلام المعتدل" وأنه ربما يكون هناك مسلمون معتدلون يصل عددهم إلى الملايين، إلا أنهم موزعون عبر المجتمعات ولا يشكلون قوة متماسكة، بينما "المجتمعات في غالبها متعصبة وغير متسامحة"! وهي نظرة قد يختلف فيها معها الكثيرون، حتى أولئك الذين يتوجسون من خطر التطرف الإسلامي في أوروبا. وتطرح المؤلفة بعد ذلك سؤالا: هل يعني كل ذلك أن الوقت قد تأخر أكثر من اللازم على إنقاذ الغرب؟ ثم تجيب عليه بنفسها بالقول إن الوقت قد تأخر للأسف. وهنا قد يتساءل القارئ: لماذا تأخر الوقت؟... ألم يكن الغرب يدرك خطورة وحجم التهديد الموجه إليه؟... ألم يكن يعرف أن الوقت قد حان للمواجهة والعمل؟ ألا توجد هناك قوى مؤثرة تعمل الآن على تحقيق هذا الهدف؟ إجابة المؤلفة على كل تلك الأسئلة قد تبدو غريبة وقد تدفع الكثيرين للاختلاف معها. فهي تقول في هذا السياق إن السبب في ذلك، أي في رأيها الذي يذهب للقول بأن الوقت قد تأخر على إنقاذ الغرب، هو أن القوى التي تعمل على "أسلمة الحضارة الغربية" هي قوى تتمتع بنفوذ كبير، خصوصا في أوروبا، في حين أن القوى التي تنتقد هذه العملية وتحاول مواجهتها هي قوى ضئيلة للغاية، تواجه النبذ والإقصاء الاجتماعي بل وربما التهديد بالموت إذا ما حاولت رفع صوتها بالاحتجاج. وهي تأمل في نهاية الكتاب أن يستيقظ المجتمع الأوروبي من غفوته ويبدأ في اتخاذ الخطوات الضرورية للمحافظة على طريقة الحياة الغربية ضد التهديد الذي يواجهها ممن تطلق عليهم "المسلمين المتطرفين"! سعيد كامل الكتاب: قوة العقل المؤلفة: أوريانا فيلاشي الناشر: دار ريزولي للنشر تاريخ النشر: 2006