خلال الشهر الجاري، وبعد التقدم الكبير الذي أحرزته محادثات السلام الرامية لوضع حد للحرب الأهلية الدائرة في شمالي أوغندا، وهي حرب متواصلة منذ 19 عاماً, أُعلن خلال الأيام القليلة الماضية، عن تأجيل المحادثات, رغم تصريح ورد على لسان "ريك مشار"، رئيس الحكومة الإقليمية لجنوب السودان، والوسيط الرئيسي في هذه المحادثات، يؤكد حدوث تقدم ملحوظ على طريق السلام. ولا تزال المحادثات الجارية بين "جيش الرب" والحكومة الأوغندية, الفرصة الأفضل التي توفرت خلال عدة سنوات لوضع حد للنزاع الدائر بين الجانبين. غير أن هذا الانقطاع الذي تعرضت له المحادثات خلال الأسبوع الجاري, استبعد أي أمل في التوصل لاتفاق سلام بين الجانبين قبل الثاني عشر من شهر سبتمبر المقبل, وهو الموعد الذي حدده الرئيس الأوغندي يوري موسوفيني. وكان من المقرر أن تُستأنف المحادثات في الأسبوع المقبل في مدينة جوبا السودانية, بيد أن من رأي المراقبين أنه في الإمكان تحقيق طفرة كبيرة في هذا الطريق خلال الأسبوع الجاري في المنطقة الواقعة على بعد مئات الأميال غربي أوغندا على الشريط الحدودي الفاصل بينها وجمهورية الكونغو الديمقراطية, علماً بأنها منطقة الغابات الكثيفة التي اختارها "جوزيف كوني" زعيم "جيش الرب" مقراً عسكرياً له. إلى ذلك يتوقع أن يصطحب معه "ريك مشار"مجموعة من أسر عائلات مقاتلي "جيش الرب", بمن فيهم والدة "جوزيف كوني", على أمل إجراء لقاء مباشر معه خلال الأسبوع الجاري. وفي الوقت ذاته يتوقع وصول وفد كبير من الزعماء الدينيين والقادة التقليديين إلى مكان اللقاء قادماً من شمالي أوغندا. من ناحيتها وصفت "كاثي كليمنت" -مديرة "مجموعة الأزمات الدولية" لإفريقيا – في بروكسل- وصفت هذه اللقاءات المرتقبة بأنها تمثل تطوراً مهماً وواعداً. ومضت "كاثي" إلى القول إن ما يريده" جيش الرب" هو أن يكون له وجود في شمال أوغندا. ولكي يغدو هذا ممكناً فإن عليه أن يلتقي زعماء الشمال التقليديين, وأن يعقد معهم اتفاق سلام قبل تلك الخطوة. هذا وقد كان واضحاً خلال المحادثات التي أجريت مع "كوني" أن أمنه الشخصي ظل هاجسه الأول دائماً. وغني عن القول إن تقديم أي ضمانات في هذا الجانب, لا بد أن يرتبط بإقامة الطقوس والشعائر الدينية والقبلية لإبرام الصلح, وهي عادة ما يقيمها ويقرها الزعماء التقليديون. وحتى هذه اللحظة فإن المعلوم عن "جيش الرب" أنه يخوض حربه ضد الحكومة المركزية في كمبالا على أنه منظمة سياسية شرعية تدافع عن مصالح وحقوق الفئات الاجتماعية المهمشة في شمالي وشرقي البلاد. ويتمسك "جيش الرب" بتمثيله لهذه الفئات على رغم المعاناة المريرة التي أسفر عنها النزاع الطويل الأمد, وتسببه في تشريد 1.7 مليون من المواطنين ممن يعيشون في معسكرات النازحين البائسة, إضافة لتعرض ما يزيد على 20 ألفا من الأطفال للاختطاف وجرهم إلى ساحات الحرب والنزاع. كما شهدت الأيام الأولى للمحادثات تشنج وفد "جيش الربط واتهامه الرئيس "يوري موسفيني" بتزعمه لحكومة فاسدة, تقوم على التمييز العرقي بين المواطنين. غير أن ورقة التفاوض المؤلفة من 6 آلاف كلمة والمقدمة من قبل "جيش الرب", دعت إلى إعلان وقف فوري لإطلاق النيران, وتسريح القوات الحكومية النظامية, علاوة على إبرام صفقة لاقتسام عادل للسلطة والثروة في البلاد. ولكن سرعان ما بادر الوفد الحكومي بقيادة وزير الداخلية "روهاكانا روجندا" إلى رفض المقترح الداعي لوقف إطلاق النيران, متذرعاً بالقول إن "جيش الرب" قد سبق له أن استغل إعلاناً كهذا في تجميع ورص صفوفه قبل شنه المزيد من الهجمات والعمليات العسكرية ضد القوات الحكومية. إلى ذلك فقد تمسك رئيس الوفد الحكومي بأن أي وقف لإطلاق النار يرتهن إلى التوصل لاتفاق شامل بين الطرفين المتحاربين. لهذا فإن الفجوة لا تزال كبيرة وعميقة بين طرفي التفاوض. وتفسر هذه الفجوة في طموح الحكومة الأوغندية إلى ما يتجاوز مجرد إذعان واستسلام قوات "جيش الرب". وهذا بالطبع ما رفضه الأخير, مهدداً بمفاجأة القوات الحكومية بضربة موجعة, فيما لو تعاملت مع ورقة التفاوض المقدمة من قبل "جيش الرب", باعتبارها استسلاماً ورفعاً للرايات البيضاء من جانبه. ومن هنا تنشأ أهمية المحادثات الجانبية بين أطراف النزاع. تريستان ماكونيل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مراسل صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" في كمبالا-أوغندا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"