بعد إعلانه أن الأوضاع الأمنية في بغداد ما تزال "متدهورة"، أعلن الرئيس بوش يوم الثلاثاء عن اتفاق مع رئيس الوزراء العراقي نوري كمال المالكي يقضي بتعزيز الحضور العسكري الأميركي في العاصمة العراقية. وقد اعتُبر الإعلان، الذي جرى خلال مؤتمر صحافي مشترك ضمن أول زيارة للمالكي إلى البيت الأبيض منذ توليه السلطة في مايو المنصرم، إقراراً ضمنيا بفشل الحكومة العراقية في إرساء الاستقرار بالعاصمة، واستبعاد أي انسحاب قريب للقوات الأميركية من العراق. ويقضي المخطط الأمني الجديد، الذي وضعه القادة العسكريون الأميركيون بالتشاور مع العراقيين، بانتقال نحو 4000 جندي أميركي إلى بغداد للانضمام إلى عدد مماثل من الجنود العراقيين هناك. وحسب مسؤولين عسكريين في واشنطن، فإن عدد الجنود الأميركيين في العراق يبلغ 128000 جندي، نحو 7200 منهم يوجدون في بغداد. وقال بوش خلال المؤتمر الصحافي الذي عقد في الغرفة الشرقية بعد اجتماع صباحي مع المالكي بالمكتب البيضاوي "من الواضح أن الأوضاع الأمنية في بغداد ما تزال متدهورة. وبالتالي، فلا بد من المزيد من القوات"، مضيفاً "لقد أخبرني قادتنا العسكريون أن هذا الانتشار سيعكس بشكل أفضل الظروف الحالية ميدانياً في العراق". ويمكن القول إن الأجواء في البيت الأبيض كانت مختلفة كثيراً بالنسبة لبوش والمالكي عن الأجواء التي كانت سائدة في العراق الشهر الماضي. وقتها، اعتبر بوش، الذي كان قدم متحمساً إلى بغداد في زيارة مفاجئة عقب مقتل أحد قادة تنظيم "القاعدة"، انتخاب المالكي وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي يقودها بيوم جديد للعراق، وحيا جهود المالكي قائلاً إنه انبهر بالاستراتيجية التي يعتمدها في التحكم في زمام بلاده. إلا أنه منذ ذلك الوقت قُتل المئات في أعمال عنف داخل بغداد وخارجها. ورغم أن بوش كرر تفاؤله يوم الثلاثاء، فإن تصريحاته لم تخل من اعترافات مرة بأن أعمال العنف التي ما تزال جزءا من الحياة اليومية في بغداد كانت تحجب مظاهر التقدم. ومن جهة أخرى، اتسمت زيارة المالكي بخلافات جديدة بين الزعيمين، الذي يواجه كل واحد منهما مشاكل سياسية مرتبطة بتطور العلاقة بينهما، حيث يتعرض المالكي لضغوط داخلية تطالب بمحاكمة كل عسكري أميركي متهم بارتكاب جرائم في محكمة عراقية؛ كما تعرض بوش لانتقادات شديدة من قبل "الديمقراطيين" على خلفية تصريحات المالكي التي ندد فيها بهجمات إسرائيل على لبنان، والتي وصفها البرلمان العراقي بالإجرامية. وقد تحاشى المالكي الإجابة على سؤال حول موقفه من "حزب الله"، غير أنه دعا في تصريحاته إلى وقف فوري لإطلاق النار، وهو ما يعكس اختلافاً مع موقف بوش الذي يعتبر أنه لا يمكن لإسرائيل إنهاء هجماتها إلا بعد أن يوقف "حزب الله" هجماته. وفي هذا الإطار، قال بوش "لقد تبادلنا وجهات النظر حول الوضع بكل صراحة" وإنه أخبر المالكي أنه لا يدعم سوى وقف دائم لإطلاق النار، وهو تعبير تقصد به الإدارة الحالية هدنة تقضي بنزع سلاح "حزب الله"، مضيفا إنه جدد تأكيده على دعمه للبنانيين. إلى ذلك، رأى بعض "الديمقراطيين" أنه لا ينبغي السماح للمالكي بإلقاء كلمة في جلسة مشتركة للكونغرس يوم الأربعاء، كما هو مقرر، إذا لم يكن ينوي التنديد بـ"حزب الله". وفي هذا السياق، قال السيناتور "الديمقراطي" "هاري ريد" من ولاية نيفادا إن مخاطبة الكونغرس شرف يُخص به القليلون– فمن الشخصيات التي خاطبت الكونغرس نذكر "نيلسون مانديلا"، وفيوسلاف هافل، وليش فاليسا- وإنه لا ينبغي أن يُمنح هذا الشرف لمن تتناقض تصريحاته بشكل مباشر مع سياسات الولايات المتحدة حول مواضيع مثل "حزب الله"، مضيفاً "سأفقد ثقة كبيرة في المالكي إن هو لم يندد بما قام به حزب الله". غير أنه خلال لقاء مع الصحافة، قال مستشار الأمن القومي ستيفان هادلي، ردا على سؤال بخصوص تصريحات "الديمقراطيين"، إنه يأمل ألا يحجب الجدل حول لبنان زيارة المالكي التي يعتزم الإفصاح فيها عن مخططاته حول مستقبل العراق. وقد حرص مسؤولو البيت الأبيض على وصف مخطط القوات في بغداد بأنه إعادة تمركز، بدلاً من إعادة انتشار تتطلب زيادة في عدد القوات بالعراق، حيث يقضي الاتفاق الجديد باستقدام قوات إضافية من أجزاء أخرى من البلاد لتنضم إلى نظيراتها العراقية قصد التركيز على التمرد حيا حيا. وقد جاء هذا الإعلان عقب اعتراف البيت الأبيض الأسبوع الماضي بفشل المخطط الأمني الذي كان أعلن عنه المالكي في يونيو في بلوغ أهدافه. وقد اعتبر مسؤولون أن المخطط السابق غير واضح ودقيق، وهو المخطط الذي كان يقضي بتسخير قوات قوامها 51000 جندي –من بينهم 7200 أميركي- وإقامة نقاط تفتيش بهدف القبض على أعضاء الميليشيات، إلا أن أعمال العنف تواصلت دون توقف. ولم يفوت "الديمقراطيون" هذه الفرصة لانتقاد إدارة بوش، حيث قال "السيناتور" الديمقراطي جون كيري من ماساتشوسيتس "إنه مؤشر آخر على أن الإدارة الحالية لا زالت غير صريحة حول تصاعد الحرب الأهلية في العراق وفشل قوات الأمن العراقية في النهوض بالمهام الأمنية وفق ما هو مخطط له". غير أن السيناتور "الجمهوري" جون ورنار من فيرجينيا ورئيس لجنة القوات المسلحة رأى أن الخطوة ضرورية لتأمين بغداد قائلا "إن الأمر إدراك بكل بساطة لضرورة تعزيز الحضور العسكري الأميركي هناك"، مضيفا "إن تحقيق ديمقراطية مكتفية ذاتيا أو الخسارة في العراق رهينان بأمن بغداد. وإذا كانت الأمور في تحسن بمناطق أخرى من العراق، فإننا لم نر درجة النجاح نفسها في بغداد". جيم روتنبورغ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ محرر الشؤون الخارجية في "نيويورك تايمز" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"