بعيداً عن جوانب الجدل حول الغاية التي تهدف إسرائيل إلى الوصول إليها، وحول العناصر الفعلية التي أثارت حالة العدوان الإسرائيلية وما تحمله من جرائم حربية، وما إذا كانت هذه العناصر محصورة في عملية أسر الجنديين، أم أنها خطة مبيتة من جانب إسرائيل التي كانت تنتظر الذريعة المناسبة... فقد تلقيت رسائل عديدة من شرائح متعددة من القراء العرب شباباً وشيوخاً، تعبر عن موقف جوهري جدير بالإبراز والتأمل. موقف القراء في تقديري، يمثل استجابة طبيعية ومنطقية للمنهج الوحشي الهمجي الذي تطبقه الدولة العبرية باستهداف المدن والأحياء السكنية اللبنانية، واعتبارها بمبانيها وسكانها من أطفال ونساء وشيوخ، هدفاً عسكرياً مشروعاً. يقول بعض القراء إن تحولاً رئيسياً قد طرأ على مواقفهم من فكرة السلام مع إسرائيل، وإنهم شعروا تجاه مشاهد التنكيل البربري بالمدنيين العزل برغبة واحدة، هي رغبة معاقبة الجناة الإسرائيليين، وهي رغبة حلت في نفوسهم محل أي أفكار معتدلة عن إقامة سلام أو التوصل إلى حلول وسط. لقد سألني بعض القراء بإلحاح، عن الطريقة التي يمكنهم من خلالها التطوع للدفاع عن الشعب اللبناني الأعزل، ومعاقبة المعتدين، وهو أمر يعني أن منهج العصور الوسطى في القتال، باستباحة حرمة المدنيين العزل وإعمال السيوف والرماح في أبداتهم لإشاعة الفزع على طريقة هولاكو وجينكيز خان، قد حقق لإسرائيل فشلاً ذريعاً في أحد أهم أهداف حربها العدوانية. إن تطبيق أسلوب قصف المدنيين بالقنابل والصواريخ من جانب الجيش النظامي الإسرائيلي، ينطوي بالضرورة على هدف سياسي، وهو تحطيم معنويات الشعب اللبناني، ودفعه إلى كراهية فكرة مقاومة الاحتلال في حد ذاتها. إن هذا الهدف السياسي واضح المعالم ولا يحتاج اكتشافه إلى ذكاء خاص من جانب المراقبين، ذلك أنه منذ اللحظة الأولى للعمليات العسكرية الإسرائيلية، دأب الطيران الحربي الإسرائيلي بانتظام، على قصف التجمعات السكنية بالقنابل الثقيلة التي تحدث دماراً على نطاق واسع بهدم مبانٍ وعمارات كاملة على رؤوس سكانها. ولا يمكن هنا قبول الاعتذارات السخيفة التي يقدمها بعض المتحدثين الإسرائيليين ممن يدعون أن هذه الإصابات الفادحة والمفضوحة تقع بطريق الخطأ، وأنها غير مقصودة، فلو أن هذا الادعاء صحيح لما تعددت المدن والأحياء والمباني المدنية التي تعرضت للقصف والتدمير، ولما ارتفع عدد الضحايا المدنيين إلى مئات القتلى وآلاف الجرحى. إن الواقع يؤكد أننا نشهد خطة متعمدة لمعاقبة المدنيين والتنكيل بهم واتخاذهم أهدافاً للقتل والإبادة من جانب الحكومة الإسرائيلية وجيشها، لتحقيق هدف سياسي واضح، وهو التنفير من فكرة مقاومة الاحتلال. ولكي يدرك ساسة إسرائيل مدى الفشل الذريع الذي حققوه في تحقيق هدفهم على مستوى الأجيال المختلفة في المنطقة العربية على اتساعها، فإن عليهم أن يعلموا أن الشبان المعتدلين والمتعلمين في العالم العربي، أصبحوا يتساءلون عن الفارق بين هذه الجرائم الحربية الإسرائيلية المروعة وبين جرائم النازية التي أوقعت القتل والتنكيل بملايين المدنيين. لقد أصبح واضحاً في عصر المعلومات أن تعريف الإرهاب والذي اعتمدته الأمم المتحدة واتفقت عليه دول العالم كجريمة، يجب معاقبتها ومعاقبة فاعليها ومن ساعدهم ومن حرضهم على ارتكابها، هو تعريف منطبق على سلوك الجيش الإسرائيلي تجاه المدنيين العرب في لبنان وفلسطين على حد سواء. إن التعريف ينص على أي عمل عنيف يرتكب ضد المدنيين بقصد تحقيق هدف سياسي. وأعتقد أن من حق الشبان العرب الذين يرون في جرائم الحرب الإسرائيلية قصداً جنائياً إرهابياً يستهدف تحقيق غاية سياسية، أن يطبقوا تعريف الإرهاب على هذه الجرائم. إن ما نجحت فيه الجرائم الإسرائيلية ضد المدنيين بالفعل، هو أنها أطاحت بروح الاعتدال لدى الشعوب العربية ودفعت الناس إلى التساؤل قائلين: ولماذا إذن يحارب العالم إرهاب الجماعات والأفراد، طالما أنه يمارس الصمت الرخيص تجاه إرهاب حكومة وجيشها النظامي؟ إن الزرع الذي زرعته إسرائيل بمنهجها الوحشي في عقول وقلوب الناس، لن يثمر غير العلقم. ولعل القوى الدولية تنتبه إلى مخاطر هذا الزرع الشوكي المدمر.