دائما ماتثير قرارات وزارة العمل بشأن التوطين كثيرا من الجدل والجلبة وردود الأفعال، والمحرك الأساسي لهذه الأصداء يتمثل في أن الوزارة تدير ملفا حيويا يمس الجميع، من مواطنين ووافدين، وبالتالي فإن قراراتها غالبا ما تكون سلباً أو إيجاباً- مع مصالح الجمهور، وبالتالي فلا غرابة مطلقا في توابع قرارها بشان إصلاح سوق العمل. آخر التوجهات التي أثارت شيئا من الجدل ماجاء بمذكرة رفعتها الوزارة مؤخرا إلى مجلس الوزراء تتضمن إلزام الشركات غير الراغبة بتعيين مواطنين في وظيفة السكرتارية بدفع 60 ألف درهم سنوياً عن كل موظف سكرتارية غير مواطن يعمل لديها، وهو توجه قوبل بترحيب من البعض وبانتقادات من البعض الآخر لأسباب تتفاوت بين صعوبة تنفيذه مستقبلا، أو لأن الشركات ستتهرب وستجد من الثغرات الإدارية مايفتح أمامها بوابة التملص من أي قرار قد يقره مجلس الوزراء بهذا الشأن ولو من باب تعديل مهن العاملين الأجانب بمهنة السكرتارية. بالطبع من غير الجائز مطالبة وزارة العمل بإغلاق منافذ التحايل والتهرب كافة لأن تصميم معظم شركات القطاع الخاص على تجاهل سياسة التوطين تماما يعني أن هناك قدرا هائلا من تباين المصالح بين هذه الشركات ووزارة العمل، وبالتالي لنا أن نتوقع بالتبعية قدرا مماثلا من الجهود التي ستبذل على صعيد التهرب من تنفيذ قرارات الوزارة والتحايل على سياسات التوطين. ومن الضروري التسليم بأن من الصعب رأب فجوة المصالح من خلال الحوار والإقناع فقط، وهي سياسة جربتها وزارة العمل في كثير من توجهاتها وآخرها قرار تشغيل العمالة خلال فترات الظهيرة الحارة، حيث صدر قرار وزارة العمل بهذا الشأن بالتنسيق مع جمعية المقاولين، ومع ذلك لم يشفع الحوار والتنسيق في تجنيب الوزارة النقد ولا حتى في منع البعض من التجاوز واختراق حدود القرار. المهم في المسألة برمتها أن الوزارة قد وضعت هدف التوطين التدريجي أو المرحلي للمهن نصب عينيها واختارت أن تخوض تجربتها على هذا الصعيد، وتحاول قدر الإمكان المضي فيه بوتيرة معقولة لا تخل بموازين السوق ومصالح الشركات. صحيح أن الوزارة تتبنى أحيانا قرارات متسرعة ثم تتراجع عنها أو تقوم بتعديلها أو تفتح الباب أمام استثناءات تقوض القرار من أساسه، وأحيانا أخرى تتبنى قرارات معقدة يصعب تنفيذها على أرض الواقع، ولكن تراكم التجربة خلال السنوات القلائل الماضية والنجاح النسبي الذي حققته الوزارة في مجال توطين مهن مثل العلاقات العامة، سيقنع ـ بمرور الوقت ـ القطاع الخاص بأنه لا مناص من التجاوب والانصياع لخيارات الوطن ممثلاً في وزارة العمل، خصوصا أن القرارات ليست تعسفية بل تفتح الباب أمام تمسك القطاع الخاص بالعمالة الوافدة التي يريدها، شريطة أن يتحمل ماديا عبء خياراته ويسهم جديا في تحقيق خطط التنمية التي تعود على الجميع بالخير والفائدة. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية