لقد حان الوقت كي تتراجع إدارة بوش والحكومات الأوروبية التي ساعدتها على "ترحيل" المشتبه في صلتهم بالإرهاب عن هذه الأعمال، وتعود إلى تطبيق الإجراءات القانونية الدولية التي تحكم معاملة المعتقلين. والمقصود بعمليات الترحيل عملياتُ التوقيف السرية التي قامت بها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إي" للمشتبه فيهم بأحد البلدان –بتعاون ضمني على الأقل، إن لم يكن صريحا، مع عملاء حكومة ذلك البلد- ونقلهم إلى بلد آخر من أجل استنطاقهم. وكثيرا ما يتم "ترحيل" المشتبه فيهم إلى سجون سرية ببلدان شرق أوسطية وأفغانستان، حيث يوضعون في سجون انفرادية، محرومين من الإجراءات القانونية التي تحفظ حقوقهم، بل ويتعرضون في بعض الأحيان للتعذيب. حتى عهد قريب كانت الحكومات الأوروبية توجه انتقادات لاذعة لعمليات الترحيل الأميركية، وتنفي في الغالب الأعم وجود سجون سرية ونقاط عبور في بلدانها. غير أن الحكومة الإيطالية اعتقلت في وقت سابق من هذا الشهر اثنين من كبار مسؤوليها في جهاز الاستخبارات لتورطهما المفترض إلى جانب "السي آي إي" في اختطاف إمام مصري يدعى حسن مصطفى أسامة نصر عام 2003، وهو ما يعد مؤشرا على ضلوع عملاء دولة أوروبية بشكل مباشر في تنفيذ عملية اختطاف من قبل "السي آي إي". وقد تم اختطاف نصر، المعروف أيضا بأبي عمر، بالقرب من بيته في مدينة ميلانو وأخذ إلى مصر حيث يقول إنه تعرض للتعذيب. وإضافة إلى اعتقال مسؤولي الاستخبارات الإيطالية، فقد أصدر الادعاء العام هناك أيضاً مذكرات اعتقال في حق أربعة أميركيين آخرين (وقد كان نشر في وقت سابق مذكرات اعتقال في حق 22 أميركياً في إطار هذه القضية)، ثلاثة منهم موظفون في "السي آي إيه" وواحد من القاعدة العسكرية في "أفيانو" بإيطاليا. وعلاوة على ذلك، فقد أقر مسؤولون ألمان الشهر الماضي أنهم اُخبروا بشأن اختطاف المواطن الألماني خالد المصري في ديسمبر 2003 من قبل عملاء "السي آي إي" حين كان بمقدونيا، ومنها تم ترحيله إلى أفغانستان حيث يقول إنه تعرض للتعذيب أثناء الاستنطاق. وفي عملية ترحيل أخرى، كان ماهر عرعر، وهو مواطن كندي، في انتظار تغيير الطائرة في نيويورك عام 2002 عندما أوقفته السلطات الأميركية ورحلته إلى سوريا، حيث يقول إنه اعتقل وعذب طيلة عام. وقد تدخلت كندا لإرجاعه، ومن المرتقب أن يتم الكشف عن تقرير كندي رسمي حول هذه القضية في سبتمبر المقبل. والواقع أن عمليات الترحيل ليست أمراً جديداً، حيث تعود إلى عام 1986 عندما سمح الرئيس ريغان بهذه العمليات في التعاطي مع المشتبه في ضلوعهم في تفجير ثكنة قوات المارينز الأميركية في بيروت عام 1983. وقد جرى اللجوء إلى هذه العمليات مرة أخرى في عهد إدارة كلينتون حيث تم نقل إرهابيين وأمراء مخدرات إلى الولايات المتحدة أو دول أخرى قصد متابعتهم قضائيا. غير أنها استأثرت بمتابعة واسعة من قبل وسائل الإعلام في فبراير 1995 عندما رحل عملاء الاستخبارات الأميركيون رمزي يوسف، وهو مقيد اليدين ومعصوب العينين، من إسلام آباد إلى الولايات المتحدة، حيث تم الحكم عليه بالسجن مدى الحياة لتورطه في تفجير مركز التجارة الدولية عام 1993. وفي 2002، قرر الرئيس بوش عدم اعتبار "المقاتلين الأعداء" "أسرى حرب"، كما تنص على ذلك اتفاقيات جنيف. غير أن العديد من منظمات حقوق الإنسان الدولية –ومعها العديد من الحكومات اليوم- تطالب بوضع حد لهذه الممارسة. وفي هذا السياق، طالبت منظمة العفو الدولية الحكومات الأوروبية بوضع حد لما تسميه المنظمة "سياسة التواطؤ" إزاء عمليات الترحيل التي تقوم بها "السي آي إي". ومن جهتهم، عبر برلمانيو الاتحاد الأوروبي من أثينا إلى لندن عن سخطهم وتنديدهم –وقد جمع أحد أعضاء مجلس "الشيوخ" بسويسرا المعروفة بحيادها تقريراً مفصلاً يندد بهذه العمليات ويفضحها- حيث ندد البرلمان الأوروبي قبل أسبوعين بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية على خلفية عملياتها في أوروبا في إطار محاربة الإرهاب. وعلاوة على ذلك، قدم المحامي البريطاني "كليف ستافورد سميث"، الذي يمثل 36 معتقلاً من معتقلي غوانتانامو، أسماء الضحايا والمواقع والسجون السرية والتواريخ وعمليات التحويل المفترضة في دورية "إينديكس أون سانسارشيب"، حيث كشف "سميث" أن بعض المشتبه في صلتهم بالإرهاب كانوا ينقلون أحيانا إلى غوانتانامو أولاً، قبل أن يتم ترحيلهم لاحقاً إلى معتقل سري في مكان آخر. وقد وصف مسؤول بريطاني كبير دعم رئيس الوزراء البريطاني توني بلير لعمليات الترحيل الجوية عبر المطارات البريطانية بـ"المدمر جداً"، وهو رأي يشاطره وزير العدل البريطاني. وتبين تجربة الرجل في تغطية الإرهاب والحروب منذ الثورة الجزائرية ما بين 1954 و1962، وعمله في الأردن قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر وبعدها، أن الاستنطاق التعسفي قلما يفضي إلى معلومات قيمة، ذلك أن المعتقل كثيراً ما يوقع اعترافاً بأي شيء يريد جلاده أن يسمعه للتخلص من التعذيب. إن مواصلة عمليات الترحيل الأميركية وغض الطرف الأوروبي على هذه الممارسات والتغطية عليها يضعف الحرب على الإرهاب، كما أنها لا تشرف الدول المشاركة فيها. وعليه، فينبغي نشر نتائج التحقيقات الرسمية واحترام جميع الأطراف المعنية للإجراءات التي ينص عليها القانون. جون كي. كولي مراسل سابق لـ"كريستيان ساينس مونيتور" غطى أحداث الشرق الأوسط لأكثر من 40 سنة، ومن مؤلفاته كتاب "الحروب غير المقدسة: أفغانستان وأميركا والإرهاب الدولي". ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"