مع ارتفاع عدد النازحين اللبنانيين الذين عبروا الحدود السورية إلى أكثر من 120 ألف نازح يرشح المراقبون أن يرتفع هذا الرقم إلى مستويات أكبر إذا ما استمر القصف الإسرائيلي للجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت. وبينما تفضل العائلات اللبنانية الميسورة الاستقرار في الفنادق، أو مع أقارب لها في سوريا يلجأ اللبنانيون الأقل ثراء إلى المساجد والساحات العامة، فضلا عن المدارس والمساجد التي توفر ملجأً يقيهم من المبيت في العراء. ورغم التعاطف الذي يبديه المسؤولون السوريون تجاه المحنة الإنسانية التي يعيشها اللبنانيون، خصوصا القادمين من الجنوب، يبدو أن السوريين لم يكونوا يتوقعون تفاقم الأزمة ووصولها إلى هذه الدرجة من التدهور الخطير. واليوم تجد السلطات السورية نفسها مضطرة إلى تلبية الاحتياجات المتزايدة للنازحين اللبنانيين مثل توفير الطعام والغطاء، وإتاحة الدواء للأطفال. ويذكر أن سوريا التي يصل عدد سكانها إلى 19 مليون نسمة تستضيف فوق أراضيها حوالي 420 ألفاً من اللاجئين الفلسطينيين حسب تقارير الأمم المتحدة التي تعنى باللاجئين في العالم. والأكثر من ذلك فتحت سوريا أبوابها لأكثر من مليون عراقي لاجئ عقب الحرب الأميركية على العراق سنة 2003. ولا شك أن تواجد هذه الأعداد الكبيرة من الأجانب فوق الأراضي السورية، رغم الروابط القومية التي تحرص عليها سوريا، وسماحها للمواطنين من الدول العربية دخول أراضيها دون تأشيرة، تثقل كاهل الحكومة السورية فيما يخص توفير سبل الحياة الكريمة التي يتطلع إليها هؤلاء اللاجئون. وفي هذا السياق قالت مدرسة سورية التقينا بها في حي باب توما المسيحي وسط دمشق ورفضت الكشف عن اسمها بسبب الحساسية السياسية للموضوع "يكفي هذا التدفق للاجئين، لقد ارتفعت الأسعار بشكل صاروخي بدءا من العقار وليس انتهاء بالمواد والسلع الغذائية الأساسية". وكما أسلفنا لا يرجع هذا التدفق غير المسبوق للاجئين من الدول العربية إلى سوريا بسبب موقعها الجغرافي الذي يجعلها قريبة من بؤر التوتر الرئيسية في الشرق الأوسط سواء من فلسطين أو العراق، أو من لبنان مؤخراً، بل يرجع أيضا إلى طبيعة النظام البعثي في سوريا الذي يحتفي بالقومية العربية ويعلي من شأنها. ويكفي الإشارة هنا إلى انعدام الصعوبات والعراقيل التي عادة ما يواجهها أبناء بعض الدول العربية عند زيارتهم لدول أخرى. وهي العراقيل التي تنتفي مباشرة في حالة سوريا التي لا تفرض تأشيرات على المواطنين من الدول العربية. وفي هذا الإطار يقول فيصل كلثوم، أستاذ القانون الدستوري بجامعة دمشق "إن المسؤولين السوريين يتفادون الإشارة إلى اللبنانيين النازحين على أنهم لاجئون، بل يعتبرونهم مواطنين عربا تعرضوا لمحنة العدوان الإسرائيلي ويجب مؤازرتهم في وقت الشدة". توفيق وليد كامل، سائق تاكسي فلسطيني ولد في الكويت يدعم هذا الطرح، حيث قال "عندما خرجنا من الكويت عقب تحريرها من صدام حسين لم تقبل بنا أية دولة عربية، رغم محاولاتنا المستمرة. وفي الأخير ساعدتنا سوريا على الاستقرار بها ونحن ممتنون كثيرا لمعاملتها الجيدة لنا". لكن بالرغم من المشاعر القومية التي تحرك السلوك السياسي السوري تجاه المواطنين العرب كافة، فإن المواطنين السوريين منزعجون من الارتفاع الكبير الذي تشهده الأسعار بسبب تدفق المزيد من اللاجئين من الدول المجاورة. ففي شهر يونيو الماضي، اندلع الشغب في حي "جرمانا" جنوب العاصمة السورية دمشق، والتي يسكنها قرابة 50 ألف لاجئ عراقي، وذلك بسبب مقتل أحد السوريين، وشكوك السوريين في أن أحد اللاجئين العراقيين يقف وراء هذا الحادث. ومع أن المحكمة لم تدن أيا من العراقيين المتهمين، إلا أن الغضب الشعبي كان أكبر من الاحتواء، حيث تمت مهاجمة المحلات والمنازل التي يملكها العراقيون، كما أضرمت النار في عدد من السيارات. كاشرين زويف مراسلة "نيويورك تايمز" في سوريا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"