على مدى عدة عقود، كان الزعماء العرب– ولاسيما الفلسطينيون منهم- يطالبون بتدخل دولي في نزاعهم مع إسرائيل، في حين كان الزعماء الإسرائيليون يرفضون على اعتبار أنه لا يمكن التعويل على قوات دولية من المرجح أن تكون منحازة ضد المصالح الإسرائيلية. أما اليوم، وفي تغير مفاجئ، فباتت إسرائيل تتبنى إمكانية نشر قوة دولية على حدودها الشمالية مع لبنان بهدف تعزيز أمنها في مواجهتها مع "حزب الله". وفي هذا السياق، يقول "مايكل أورين" من "مركز شاليم"، وهو معهد بحثي محسوب على "يمين الوسط" يوجد مقره بالقدس، "إننا نلعب لعبة قديمة كانت تلعبها "منظمة التحرير الفلسطينية"، وتقوم على التسبب في نزع الاستقرار بالمنطقة، ثم المطالبة بتدخل أجنبي. لقد كنا ضد هذا الأمر في الماضي، ولكن إسرائيل باتت تدرك اليوم أنها لا تستطيع القيام بشيء لوحدها. كما أن إسرائيل تشعر اليوم أن لها صديقاً في أميركا وتفهماً كبيراً في أوروبا". ويرى "أورين" ومحللون إقليميون آخرون أن عدداً من الأسباب يكمن وراء هذا التحول، ومن ذلك أن إسرائيل باتت تدرك أن هجمات "حزب الله" الصاروخية لا يمكن وقفها على المدى البعيد من دون نشر قوات برية لمواجهة مقاتلي الحزب. كما أن إسرائيل، التي لا ترغب في إعادة احتلال لبنان، لم تعد ترغب في أن تكون تلك القوات البرية إسرائيلية، مرجحة أن تتمكن قوة كبيرة متعددة الجنسيات، بالتعاون مع الجيش اللبناني، من كبح جماح "حزب الله". وعلاوة على ذلك، فإذا كانت إسرائيل قد أحست مرات كثيرة أنها معزولة دولياً في الماضي، فإنها تشعر اليوم أن مصالحها تتقاطع مع مصالح الولايات المتحدة وأوروبا، بل وحتى أجزاء من العالم العربي، وذلك بالرغم من التحذير الذي أطلقه مسؤولون دوليون بشأن الإصابات المدنية في لبنان. وقد حرص رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت في الأزمة الحالية التي تتميز بجبهتين، واحدة مع "حزب الله" جنوب لبنان وأخرى مع "حماس" في قطاع غزة، على وضع أجندة إسرائيلية تكون مشابهة لأجندة المجتمع الدولي، وتقديمها على أنها معركة إقليمية مع القوة المتنامية للإسلام الراديكالي وإيران. وفي هذا الإطار، تزعم إسرائيل مثلاً أن "حزب الله"، بل وحتى "حماس"، وكيلان لإيران وحليفتها سوريا، وأن هدفهما هو الحفاظ على توتر الشرق الأوسط وإعاقة التوصل إلى تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين. والواقع أن إسرائيل لم تكن تعارض دائماً نشر قوات مراقبة دولية، وإنما كانت تبدي تشككها في قدرة هذه القوات على وقف الاقتتال. وبعبارة أخرى- يقول المسؤولون الإسرائيليون- فعندما يكون كلا الجانبين راغبين في حدود هادئة، كما هو الحال مع سوريا، فإن قوات المراقبة الدولية تنجح في مهامها. أما في المناطق المختلف عليها، مثل سيناء قبل حرب 1967 ولبنان اليوم، فترى إسرائيل أن تلك القوات كانت تميل إلى غض الطرف عن خروقات الهدنة والحدود من الجانب العربي، كما أن حضور تلك القوات يعقد كل رد إسرائيلي عليها. ويقول "مارك ريجيف"، المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية، "كثيراً ما يُقال إن النفسية الجماعية الإسرائيلية تعتقد أن العالم ضدنا، ولكنه أمر غير صحيح في هذه الحالة"، مضيفا "ذلك أن إسرائيل تتوفر على بيئة دولية أكثر تفهماً اليوم مقارنة مع الماضي. وعندما تقول إن "حزب الله" هو المشكلة، فلا أحد يختلف معك". ومن جانبه يقول "يوسي ألفار"، المدير السابق لـ"مركز يافي للدراسات الاستراتيجية"، إن الدعوة إلى تدخل دولي تمثل "تغيراً كبيراً"، إنها تمثل بالنسبة لإسرائيل "تصورين جديدين ثوريين". أولهما– يقول ألفار- أن إسرائيل "تنفر اليوم من فكرة احتلال لبنان بشكل خاص، والأراضي العربية بشكل عام"، ومرد ذلك إلى "الدروس المستخلصة" من لبنان، الذي احتلت إسرائيل مناطق منها من 1982 إلى 2000، ومن الضفة الغربية وقطاع غزة، اللذين احتلا لأول مرة إبان حرب 1967، وجميعها كلفت إسرائيل غالياً. وثانيهما –يتابع ألفار- أن لإسرائيل اليوم "فهماً كبيراً للواقع الإقليمي"، الذي يشمل تدخل إيران وسوريا وإقراراً بضعف الحكومة اللبنانية، التي لن تكون قادرة على مواجهة "حزب الله" في غياب مساعدة دولية. وقد تم التعبير عن قلق المجتمع الدولي إزاء إيران وسوريا ولبنان في قرارات صدرت عن مجلس الأمن الدولي ولقيت تأييد إسرائيل، التي ذهبت إلى حد القول إن حربها مع "حزب الله" إنما هي تمهيد ضروري لتنفيذ القرار 1559، الذي يدعو إلى نزع سلاح "حزب الله" ونشر الجيش اللبناني على الحدود. إلى ذلك، أشار "ألفار" إلى أن رسالة الولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي، بل وحتى دول عربية مثل السعودية ومصر بشكل ضمني، هي أن الجيش الإسرائيلي لديه الوقت لضرب "حزب الله" رغم الكلفة في لبنان. كما أن الشعور بالاشتراك في الأهداف يدفع إسرائيل إلى وضع المزيد من ثقتها في المجتمع الدولي والسعي الى إشراكه في أي حل ممكن. وفي هذا الإطار، يقول "أورين" من "مركز شاليم" إن إسرائيل واعية بأنه ليس ثمة حل عسكري في لبنان في النهاية، وإنما حل دولي فقط، مضيفاً أن الحكومة اللبنانية "غير قادرة على التغلب على "حزب الله" وتأمين الحدود، ليس في الجنوب فحسب، وإنما حتى فيما يخص منع قدوم شحنات جديدة من الصواريخ من سوريا وإيران". ومن جهة أخرى، يدعو بعض المراقبين، بالنظر إلى الطابع الإقليمي للمشكلة، إلى مفاوضات إقليمية تشارك فيها سوريا، ما لم تحضرها أيضاً إيران، وجعل لبنان يتحدث باسم "حزب الله"، والرئيس الفلسطيني محمود عباس باسم "حماس". وفي هذا السياق، يقول "يورام ميتال"، رئيس "مركز هيرزوغ لدراسات الشرق الأوسط" بجامعة بن غوريون "إن الأزمة الحالية ستخلق وضعاً جديداً بين إسرائيل والعرب، فمعظم العرب والإسرائيليين متفقون على أن الوضع السابق، ومن ذلك ما يسمى بعملية السلام والأحادية الإسرائيلية، كان فشلاً ذريعاً. وبالتالي فالتحدي اليوم هو كيف نخلق بيئة جديدة". كما أشار "ميتال" إلى أن الجامعة العربية، التي اجتمعت الأسبوع الماضي، دعت إلى تكثيف جهود السلام الحالية، وضرورة قيام مجلس الأمن الدولي بدور أكبر، معتبراً أن الوقت أضحى مواتياً كي تلبي إسرائيل الدعوات المتكررة من الرئيس السوري بشار الأسد إلى محادثات سلام يمكنها أن تشمل النزاع اللبناني. ـــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"