لم يناصر "فرح ظهير" الكاتب الصومالي في يوم من الأيام الجماعات الإسلامية المتشددة في بلاده، فهو مازال يذكر كيف أثار غضبه مشهد الإسلاميين وهم يمنعون المواطنين من متابعة كأس العالم متذرعين بحجج دينية، لكنه بعدما رأى القوات الأثيوبية تسير باتجاه إحدى المدن الجنوبية في الصومال لمواجهة الإسلاميين غير موقفه تجاه "المحاكم الإسلامية"، مفضلاً أن يعيش تحت حكم الإسلاميين على أن تدخل إثيوبيا الغريمة التقليدية للصومال إلى البلاد. "لا أستطيع أن أقبل وجود قوات إثيوبية داخل البلاد"، يقول "ظهير" البالغ من العمر 26 سنة مستطرداً "إنهم لا يريدون مساعدتنا، بل يتطلعون إلى زعزعة استقرارنا". لذا بدأت المخاوف تتصاعد داخل الصومال من أن يؤدي تدخل أثيوبيا في هذا البلد الأفريقي إلى تأجيج الحرب الأهلية الصومالية ودفعها إلى مستويات بالغة الخطورة. فقد خاضت الصومال وأثيوبيا طيلة الأربعين سنة الماضية العديد من الحروب، كما أنهما تورطتا في مساعدة العناصر المتمردة داخل البلدين. من ناحيتهم يحذر القادة الصوماليون من العواقب غير المتوقعة لاجتياح القوات الأثيوبية للأراضي الصومالية، لا سيما التهديد بتجديد المواجهات المسلحة بين الأطراف الصومالية المختلفة وتعميق التباين في المواقف داخل الحكومة الانتقالية نفسها، فضلاً عن توسيع دائرة الصراع ليطال المنطقة بأكملها. وفي هذا السياق يقول "محمد جويو"، رئيس معهد الدراسات الأمنية في كينيا "إن مثل هذا الاجتياح يضع الحكومة الصومالية في موقف حرج لأنها لجأت إلى دولة أجنبية يعتبرها الصوماليون عدوهم التاريخي"، مضيفاً أن "الحكومة ستفقد مصداقيتها في أنظار الشعب". وقد جاء طلب الرئيس الصومالي عبد الله يوسف الذي تتخذ حكومته من مدينة "بيداوا" مقرا لها بتدخل أثيوبيا للمساعدة وحتى من دون موافقة البرلمان الصومالي ليعمق الخلافات بين الفصائل الصومالية المتنافسة. وإزاء هذا الوضع تعهد المشرعون الصوماليون بتقديم ملتمس لسحب الثقة من الحكومة يروم عزل الوزير الأول "علي محمد جدي" المعين من قبل الرئيس. وكانت الأزمة قد بدأت في الأسبوع الماضي عندما نجحت الميليشيات التابعة لمجلس "المحاكم الإسلامية" المحافظ المعروف سابقاً باتحاد "المحاكم الإسلامية" في الاقتراب من "بيداوا" مقر الحكومة الانتقالية. وقد أعلن الإسلاميون أنهم لا يعتزمون الهجوم على المدينة، وأنهم فقط يرغبون في استعادة الجنود الهاربين من صفوف الخدمة العسكرية. وفي اليوم التالي شاهد الصوماليون بذهول "أرتال" الآليات العسكرية الأثيوبية وهي تتقدم نحو "بيداوا" التي تقع في منتصف الطريق بين أثيوبيا ومقديشو لتتوجه مباشرة إلى مطار المدينة ومن ثم إلى القصر الرئاسي في استعراض ملفت للقوة. وتنسجم هذه التطورات مع تصريحات المسؤولين الإثيوبيين الذين لم يخفوا نيتهم في التدخل لحماية الحكومة الصومالية مما يعتبرونه تهديدا يطرحه الإسلاميون المتشددون على الحكومة الانتقالية إثر سيطرتهم على مقديشو. ورغم انتقال الحكومة الصومالية إلى مدينة "بيداوا" منذ 1991، فإن السكان يتوجسون من تجدد المعارك في مدينتهم، ويخشون على أنفسهم من اندلاع العنف. وإلى جانب شعور عدم الارتياح الذي يتملك الصوماليين، نفى المسؤولون الإثيوبيون ونظراؤهم الصوماليون عبور قوات أجنبية إلى داخل الصومال، ما أدى إلى تفاقم مخاوف السكان بعدما رأوا بأم أعينهم زحف القوات الإثيوبية داخل "بيداوا". وقد شبه أحد السكان ما يجري بدخول فيل إثيوبي إلى الصومال والإصرار على نفي مشاهدته. والأكثر من ذلك قام المسؤولون المحليون في "بيداوا" بمنع الصحفيين من الكتابة حول موضوع القوات الإثيوبية في صحفهم، أو التقاط صورهم وهم يجوبون المدينة. كما فرضت السلطات الصومالية حظر تجول يمتد من التاسعة ليلاً إلى غاية الفجر لإفساح المجال أمام تحرك القوات الإثيوبية دون إثارة انتباه السكان. وفي نهاية الأسبوع الماضي سرت شائعات تقول بدخول القوات الإثيوبية إلى مدينة واجد، حيث نقل عن أحد عمال الإغاثة في المدينة مشاهدته لحوالي مائة من العناصر الإثيوبية تتوجه إلى مطار المدينة لتأمين هبوط طائرة مروحية. وبالنسبة لمنتقدي الحكومة الصومالية يشكل استقدام قوات إثيوبية إلى داخل الصومال المسلمة خطأ فادحاً لأن ذلك من شأنه تأجيج المشاعر القومية لدى الصوماليين ودفعهم إلى الاصطفاف وراء "المحاكم الإسلامية". وهو ما ظهر في خطبة يوم الجمعة حيث دعا الخطباء إلى شن حرب مقدسة ضد الإثيوبيين الغزاة. ومع أن الصومال لم يألف هذا الخطاب الديني المتشدد، فإن اندلاع الأزمة الحالية ودخول القوات الإثيوبية إلى البلاد دفع العديد من الصوماليين نحو التشدد لمواجهة جارتهم المسيحية. ــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"