الكل يعلم الآن أن القصة قد تجاوزت مسألة جنديين إسرائيليين قام تنظيم "حزب الله" باختطافهما من مزارع شبعا، كما تجاوزت أيضاً "جلعاد شاليط" الجندي الإسرائيلي الذي اختطفه الفلسطينيون وطببوه وهم الآن يعتنون به صحياً وغذائياً حفاظاً على صحته, ولا ننسى العريف الإسرائيلي الذي أختطف هو كذلك مؤخراً... قد أصبحوا جميعاً في عالم الإهمال بالنسبة للقادة العسكريين الإسرائيليين. إذن هناك في الأفق ما تخطط له الولايات المتحدة الأميركية بالتعاون مع إسرائيل لإحداث تغييرات جذرية في المنطقة, لا يعلم سوى الله والراسخين في رسم السياسات المستقبلية ماذا ستؤدي إليه. لكن هذا لا يمنع من محاولة استشفاف المستقبل. إذا استرجعنا بعض الأحداث على مستوى المنطقة العربية، سنجد أن التغيرات التي أعقبت تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، ما كان لها أن تحدث لولا غباء الرئيس العراقي المخلوع بإصراره على البقاء في الكويت رغم كل الدعوات له بالانسحاب. لقد كان حدث الاحتلال العراقي للكويت تجسيداً لنظرية هنري كيسنجر الداعية لتسخين نقطة ما لتليين وضع اللاسلم واللاحرب التي كانت سائدة في المنطقة العربية, ومنذ التحرير جرت مياه كثيرة تحت الجسر, كما يقولون. ثم أعقب ذلك القضاء على نظام صدام حسين الضعيف أصلاً منذ طرده من الكويت. وساد المنطقة العربية إهمال تام للقضية العراقية, وترك العراقيون تحت رحمة الصراع بين "القاعدة" والأميركيين. ومن الواضح أن الولايات المتحدة قد وجدت في الوضع العراقي جموداً سياسياً لا يساعدها على تحريك مياه الشرق الأوسط التي أسنت بفعل هذا الجمود, فكان لا بد من تسخين الوضع لكي يتم تحريكه من جديد, فكانت لبنان الحلقة الأضعف في المنظومة العربية, فتم تسخينها, لسوء حظ اللبنانيين, وحدث ما لا زال يحدث لهم من تدمير لم يكن يوماً في الحسبان, حتى بالنسبة لحسن نصرالله الذي اعتاد لعبة تبادل الأسرى مع إسرائيل, ولكن مع فارق هذه المرة, حيث اختلف حساب الدفاتر مع حساب البيادر, بسبب تصرف يتسم بالغباء لم تحسب حساباته جيداً. وكما دفعت الكويت ثمن تحريك الوضع العربي عام 1990, يدفع لبنان اليوم ثمن التحريك من جديد, وهذا قدر الدول الضعيفة. فالصمت الأوروبي الذي قارب أسبوعاً قبل أن ترتفع الأصوات مطالبة بالتدخل الدولي, ودع عنك الصمت العربي, لأن البدائل منعدمة, ولا تثريب على الدول العربية لأنها لا تملك من أمرها شيئاً. إذن تدمير لبنان سيكون له استحقاقات دولية. ولنتخيل ماذا سيكون عليه الوضع بعد صمت المدافع وتوقف قصف الطائرات الإسرائيلية: 1- ستتواجد قوات دولية, ربما من قوات الحلف الأطلسي المقاتلة كما هو الحال في أفغانستان. ويجب أن نتذكر أن توسيع مهام هذا الحلف إلى خارج المجال الأوروبي كان اقتراحاً أميركياً, بين لبنان وإسرائيل, ولكن على الأراضي اللبنانية. 2- لا يُتصور انتهاء الوضع الساخن حالياً بدون معاهدة سلام لبنانية إسرائيلية, أو على الأقل البدء بالمفاوضات تمهيداً لعقد مثل هذه المعاهدة. 3- تطبيق القرار الدولي 1559 على لبنان, وتجريد "حزب الله" من سلاحه بتحوله إلى حزب سياسي كما يفترض. 4- إنهاء الدور السوري تماماً من لبنان, ومن ثم الدور الإيراني. 5- تسريع إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على إيران التي تحاول الآن "ترقيع" الأمور عبر السعودية ذات الدور العربي القوي في لبنان حالياً. 6- وضع آلية دولية لضمان عدم تكرار ما يحدث الآن للبنان في المستقبل, وإلا لن يخاطر أحد بالاستثمار في لبنان ناهيك عن دفع المليارات لإعادة الإعمار, وهذا لا يمكن أن يتم بدون القضاء على "حزب الله" عسكرياً. 7- هل من الممكن القول إن ضرب "حماس" و"حزب الله" في نفس الوقت، سيؤدي إلى إضعاف شوكتيهما والتدليل للعالم على عدم أهليتهما للحكم في المنطقة, وما قد يجره ذلك على بقية الجماعات الدينية في المنطقة العربية من تداعيات سلبية؟ ترى هل انتقمت الولايات المتحدة لنفسها من "حزب الله" حين جعلته مسؤولاً أمام العالم كله عن تدمير لبنان ومن ثم تشوهت صورته النضالية إلى الأبد في عيون الكثير من اللبنانيين؟... ربما!