قامت إدارة بوش والكونجرس الأميركي بقطع ملايين الدولارات من المساعدات العسكرية التي كانت تقدم في السنوات الأخيرة إلى الدول الإفريقية، وهو التحرك الذي يقول مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية وكبار القادة في الجيش الأميركي بأنه أضعف الجهود الأميركية الموجهة لمحاربة خطر الإرهاب وقلل من إمكانات التصدي للنفوذ الصيني المتوسع في إفريقيا. وتأتي خطوة إلغاء برامج المساعدات العسكرية من قبل وزارة الدفاع الأميركية المتمثلة في تدريب جيوش بعض الدول الإفريقية وتجهيزها بالعتاد اللازم لمواجهة العناصر الإرهابية الناشطة فوق أراضيها عقب امتناع تلك الدول التوقيع على اتفاق يستثني الجنود الأميركيين من الخضوع للولاية القانونية لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي. بيد أن سياسة وقف المساعدات التي كانت تهدف إلى حماية الجنود الأميركيين في الخارج أغضبت المسؤولين العسكريين بسبب ما يعتبرونه من قصور تلك السياسة التي تحرم أميركا من استكمال جهودها في محاربة الإرهاب. ويذهب بعض منتقدي قطع المساعدات العسكرية إلى اعتبار الخطوة جزءا من السياسة الخارجية الخاطئة التي اعتمدتها الولايات المتحدة عقب هجمات 11 سبتمبر، وأنها دليل واضح على التأثير السلبي للسياسة الأحادية على جهود مكافحة الإرهاب. ولم يقتصر وقف المساعدات العسكرية على الدول الإفريقية، بل طال حتى بعض دول أميركا اللاتينية التي رفضت التوقيع على الاتفاقية ذاتها مع الولايات المتحدة. وهكذا ألغت واشنطن السنة الماضية 13 مليون دولار من قيمة التدريبات وتجهيز الجيش الكيني، رغم نشاط عناصر "القاعدة" في البلد، حيث تمكن في تفجيرات مبنى السفارة الأميركية بنيروبي سنة 1998 من قتل 224 شخصا. وفي 2003 علقت الولايات المتحدة 309 آلاف دولار من المساعدات العسكرية السنوية التي تقدم إلى مالي، حيث يؤكد مسؤولون في البنتاجون بأن عناصر انفصالية جزائرية تعرف باسم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" استقرت في شمال البلاد وأنشأت قاعدة عسكرية لها. وبالنسبة لكينيا يرى المسؤولون الأميركيون أنه من العبث مطالبة سلطات البلاد بالتعاون مع الولايات المتحدة في تعقب الإرهابيين في الوقت الذي أوقفت فيه وزارة الدفاع برامجها لتدريب القوات الكينية وتجهيزها. وفي هذا الإطار يقول أحد المسؤولين في البنتاجون الذي رفض ذكر اسمه بسبب حساسية الموضوع "إن حجب الإعانات المالية عن الجيش الكيني لا يخدم جهودنا في مكافحة الإرهاب ولا يقوي علاقاتنا مع بلد يعتبر محوريا في الاستراتيجية الأميركية بإفريقيا". وإضافة إلى تقويض جهود محاربة الإرهاب يؤكد بعض المحللين أن وقف المساعدات العسكرية عن الدول الإفريقية أعطى الصين فرصة توسيع نفوذها في المنطقة فيما يشبه "اللعبة الكبرى" التي كانت سائدة بين روسيا وبريطانيا للفوز بمناطق النفوذ في آسيا الوسطى خلال القرن التاسع عشر. ويورد المسؤولون الأميركيون على وجه التحديد الملايين من الدولارات التي تستثمرها الحكومة الصينية في مشاريع البنية التحتية في إفريقيا، فضلا عن التدريب العسكري لإبرام عقود مع الحكومات الإفريقية تحصل بموجبها على الموارد الطبيعية مثل النفط والمعادن والخشب. وفي هذا الإطار صرح "جيمس جونز" من القيادة الأوروبية الأميركية المشتركة التي تتولى مسؤولية القارة الإفريقية أمام هيئة تابعة لمجلس "الشيوخ" الأميركي بأنه "من الصعب التنافس مع الصين بالنظر إلى السرعة التي تتحرك بها في أفريقيا لإبرام العقود مع الحكومات وإنجاز المشاريع دون الوقوف كثيرا عند مسألة حقوق الإنسان". ويذكر أن الصين كثفت حضورها على نحو واضح في القارة الإفريقية خلال السنوات الأخيرة، فحسب مجلس العلاقات الخارجية الأميركي تضاعف حجم التجارة مع إفريقيا ليصل إلى 18.5 مليار دولار في الفترة ما بين 2002 و2003، وقد ارتفع الرقم إلى 32 مليار دولار في 2005. كما سبقت الصين بريطانيا لتصبح ثالث أهم شريك اقتصادي لأفريقيا. ويبقى هاجس مكافحة الإرهاب في إفريقيا القضية الأكثر استعجالاً بالنسبة للمسؤولين الأميركيين. ففي مالي لا تبعث الأوضاع على الارتياح بسبب توغل "الجماعة السلفية" في البلاد وإقامتها لقاعدة تدريبات في الشمال بعدما أفاد تقرير أصدرته وزارة الخارجية الأميركية بأن المناطق الشمالية من مالي أصبحت "ملاذا آمنا" لمقاتلي الجماعة السلفية. ورغم أن وزارة الدفاع الأميركية دأبت في السنوات الأخيرة على إرسال وحدات من القوات الخاصة لتدريب الجيش المالي كجزء من المبادرة الشاملة لمكافحة الإرهاب وتعزيز قدرات القوات المالية في مواجهة مقاتلي الجماعة السلفية التي تتخذ من الشمال مأوى لها، إلا أن المسؤولين ينتقدون تلك المحاولات ويشددون على ضرورة مضاعفة المساعدات العسكرية والوقوف إلى جانب الجيش المالي ليتمكن من التغلب على فلول العناصر الإرهابية. ويشار إلى أن القطع الحالي للمساعدات العسكرية يأتي على خلفية مشروع القانون الذي مرره الكونجرس الأميركي وصادق عليه الرئيس في شهر أغسطس سنة 2002 المعروف بقانون حماية الجنود الأميركيين. فقد قررت وزارة الدفاع تعليق مساعداتها العسكرية للدول التي انضمت إلى محكمة الجنايات الدولية بلاهاي ولم توقع اتفاقاً إضافياً مع الولايات المتحدة يعرف بالمادة 98 تستثني الجنود الأميركيين من المساءلة الجنائية في حال ارتكابهم جرائم حرب. وبموجب هذه المادة التي استطاعت إدارة بوش إقناع مائة دولة بالتوقيع عليها تتعهد البلدان الموقعة بعدم تسليم مواطنين أميركيين إلى المحكمة الدولية دون موافقة المسؤولين الأميركيين. ــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"