ثلاثة عشر يوماً مضت ونار الحرب مستعرة بين جيش العدوان الإسرائيلي وميليشيات حزب الله، وبين فكي كماشة هذه الحرب المجنونة يلفظ مئات المدنيين الأبرياء أرواحهم، ويتشرد مئات الآلاف غيرهم، بعدما قطع الطيران الإسرائيلي طريق الابتعاد عن القصف المتواصل، وقطع أيضاً طريق وصول الإغاثة والمعونة. إنها مأساة حقيقية تنقلها الفضائيات بتفاصيلها الدموية، أولاً بأول، ولحظة بلحظة. ولكن كل هذا العالم بمنظماته الدولية، وغير الدولية، وبمجلس أمنه، وبنده السابع العتيد، ما زال يتفرج دون أن يحرك ساكناً، ودون أن تطرف له عين فيما يعطي انطباعاً واضحاً بأن ثمة استقالة سياسية للمنظمة الدولية وأجهزتها، وتخلياً واضحاً منها عن لعب دورها. أو أن ثمة تواطؤاً لإتاحة الفرصة للمعتدي الإسرائيلي ليفعل ما يشاء أولاً، وبعد ذلك يكون لكل حادث حديث؟ وإلا فما الذي سيسميه فقهاء القانون الدولي "صيانة وحفظ الأمن والسلم الدوليين" إن لم يكن تدخلاً حاسماً وحازماً في مثل هذه المواقف، وضرباً بقوة القانون والشرعية الدوليين على يد المعتدي والمتمادي في عدوانه وهو هنا إسرائيل. والأزمة الحالية التي تحولت في لمح البصر إلى حرب طاحنة تطور فيها احتكاك حدودي، ليصبح جريمة إبادة جماعية معلنة وواضحة المعالم والتفاصيل لكل اللبنانيين، فإذا لم تكن هذه جرائم حرب، وعدواناً آثماً، وغلظة وتطاولاً على القانون الدولي فماذا عساها ستكون؟ والطامة الكبرى أن من زعموا أيضاً أن هجمة "حزب الله" المشؤومة التي أدت إلى اندلاع هذه الحرب كانت بدافع تخفيف الضغط على قطاع غزة، يجدون الآن أنفسهم وجهاً لوجه مع إفلاس هذا الطرح ونتائجه الكارثية وتهافته وقصور نظرته السقيمة. فلم يخف الضغط على غزة، بل إن العكس هو ما حصل وزيادة، حيث صرفت هذه الحرب المجنونة الصاخبة، بكل دمويتها وعبثيتها ولا معقوليتها، الأنظار عن غزة، وحولت كل الكاميرات وبؤر الضوء والتركيز إلى الحرب في لبنان، وفي حين أزيحت المجازر المستمرة في غزة عن دائرة الاهتمام، بقي لجيش الإرهاب الإسرائيلي أن يفعل هناك ما يشاء، فهذا ما قدمه "حزب الله" لغزة ولا شيء آخر للأسف عدا ذلك، وكان الله غفوراً رحيماً. أما الدول العربية إذا تجاوزنا لوم المجتمع الدولي فهي للأسف خارج الصورة بكل المقاييس، فقد بدا انكشافها الاستراتيجي والدبلوماسي والسياسي أيضاً في هذه الحرب بشكل لا لبس فيه. فلا هي استطاعت أصلاً لعب دورها في كبح مغامرات حزب الله، ولا هي تستطيع طبعاً كبح جماح العدوان وشهية الإرهاب الإسرائيلية المتأصلة. وطبعاً لا حظوة لها مع إدارة أميركية ترى في أشنع جرائم إسرائيل العدوانية "حقاً في الدفاع عن النفس". فما العمل؟ لا تبدو الأزمة من ذلك النوع الذي يتماثل للحل، فالتصعيد مستمر وقوافل الضحايا الأبرياء مستمرة، ونوم المجتمع الدولي يبدو أنه كنوم أهل الكهف، ولا أفق آخر مبشراً تعطي الحرب الانطباع بالاتجاه إليه. ومن هنا وحتى يصحو الضمير العالمي من نومته التي يبدو وكأنها أبدية، ومن هنا وحتى تعيد المنظومة العربية اكتشاف قيمة العمل الجماعي والتآزر في وجه عدو لئيم كالح يريد كل يوم خلق حقائق جديدة على الأرض، وأيضاً من هنا وحتى يعرف "شعبويو" بعض الفضائيات العربية و"كلمنجية" الحروب وتجارها وسماسرتها خطر ما يشيعونه، في الشارع العربي، عند ذاك فقط، يمكن أن يظهر بصيص أمل لوقف هذه الإبادة الجماعية، بحق شعب آمن مسالم، يستحق واقعاً غير هذا، ويستحق بكل تأكيد مستقبلاً مزدهراً وغداً آتياً مليئاً بالوعود والأحلام الكبيرة. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.